التحالف الإيراني في النزيف السوري

قلنا مرارا وتكرارا إنه في يوم ما -إن لم يكن قد حدث حتى الآن- ستكتشف إيران، التي تدير تحالفا قويا يتشكل من العراق والعديد من المجموعات والتنظيمات في مقدمتها حزب الله، أن قرارها بدعم بشار الأسد في حربه ضد شعبه هو أسوأ قرار اتخذته منذ الثورة الإسلامية.
ويبدو أن هذا التوقع يقترب حثيثا من أن يتحوّل إلى حقيقة ما لم تعد قيادتها إلى الرشد، و"تتجرع كأس السم"، وتقبل بتسوية ترضي الشعب السوري، وتضع حدا لهذا النزيف الذي أرهق الجميع.
في مقابل حقيقة أن الرابح الأكبر مما جرى ويجري في سوريا هو الكيان الصهيوني، فإن الخاسر الأكبر هو التحالف الإيراني، خلافا لمحاولات الاستعراض التي يبديها، والتي تتبدى بشكل واضح في خطاب حسن نصر الله، وبعض تجليات الخطاب الإيراني، فضلا عن خطاب شبيحة يساريين وقوميين لا يتذكرون سوى شيء واحد هو أن نظامهم الحبيب في دمشق كان على وشك السقوط، وهو الآن متماسكك بعض الشيء ويمكنه الصمود في المعركة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بكل قوة يتعلق بنتيجة هذه المعركة في سوريا، وهل يمكن بالفعل لنظام بشار الأسد أن يحوّل صموده إلى انتصار، ويحسم المعركة تبعا لذلك، ويعيد كل شيء إلى ما كان عليه قبل اندلاع الثورة؟
سؤال لا يجيب عنه شبيحة النظام والتحالف الإيراني سوى بروح الأمنيات لا أكثر، وربما لا يتعرضون له ابتداءً، كي لا يخرّب عليهم فرحة الصمود الآني، وبعض التقدم الذي يحرزه النظام بين حين وآخر، مع أن تقدما من الطرف الآخر لا زال يفسد عليهم تلك الفرحة، كما حصل في معارك "كسب" وريف اللاذقية التي أفسدت عليهم فرحة انتصار كان متوقعا في "يبرود" وعموم مناطق القلمون التي ستتحول حربها لاحقا إلى حرب استنزاف لقواته وقوات حزب الله أكثر من تحولها إلى محطة لحسم المعركة بشكل شامل في ريف دمشق.
وهي إستراتيجية قد تبدو أفضل، ويبدو أن الثوار سيميلون إليها من الآن فصاعدا، أي تحول الحرب إلى حرب استنزاف أكثر من مساعي السيطرة على مناطق جديدة تضاف إلى المناطق التي بحوزتهم، والتي تصل إلى نصف مساحة التراب السوري.
وللتذكير هنا، فمن يقاتل عمليا هم عناصر حزب الله والكتائب الموالية الأخرى بإشراف الحرس الثوري، بينما يكتفي النظام بتوفير الغطاء الجوي والمدفعي، وهو الذي يعاني من صراخ طائفته من حجم الخسائر بين صفوف أبنائها.
لقد بات واضحا أن معركة من هذا النوع ستمتد لسنوات طويلة، قد تزيد على عشر سنوات قبل أن يتم التوصل إلى حل، طبعا ما لم تخضع إيران وتتجرع كأس السم، وخلال هذه المدة لن تحسم المعركة بالكامل لصالح طرف من الأطراف ما لم تحدث مفاجأة من العيار الثقيل، لكن الحسم لن يكون من طرف النظام، مع أن شيئا كهذا سيكون انتصارا مجللا بالهزيمة دون شك، وبالطبع تبعا لكلفته الباهظة، مع أن المؤكد أن مسيرة الاستنزاف لن تؤدي إلى غير انهيار النظام واستنزاف حلفائه.
والحال أن العالم أجمع -بل حتى داعمي الثورة- وطّن نفسه على معركة طويلة، بل إن من غير العسير القول إن بعض العرب قد وجد في ما يجري في سوريا فرصة لاستنزاف المشروع الإيراني، وصولا إلى إعادته إلى حجمه الطبيعي -بل ما دون ذلك- دون أن يتكلفوا الكثير، وما تدفعه تلك الدول لن يشكل عبئا حقيقيا على ميزانياتها، قياسا بما يشكله من عبء على ميزانية إيران وحلفائها ومصالحهم.
وفوق ذلك كله، وهو الأهم دخول هؤلاء جميعا في مزاج عداء سافر مع أغلبية الأمة (دعك من أضرار الحشد الطائفي للأقليات الشيعية في المنطقة عموما، بهدف تخريب أسس التعايش بينها وبين الآخرين بسبب اضطرارها لتأييد إيران في موقفها من سوريا).
لأجل ذلك كله، تبدو سوريا بالفعل مثل فيتنام بالنسبة لأميركا، أو بتعبير أدق مثل أفغانستان بالنسبة للاتحاد السوفياتي، فمن يدعمون الثوار في هذه الأخيرة لم يكونوا مستنزفين، بينما كان النزيف المؤدي إلى خاتمة سيئة من نصيب الاتحاد السوفياتي، ولعل ذلك هو السبب الكامن خلف التوجه الدولي المدعوم صهيونيا، والذي تبدى واضحا منذ عامين وكررناه مرارا، ممثلا في إطالة أمد الحرب من أجل استنزاف الجميع، لكن الاستنزاف الأكبر سيكون من نصيب إيران وحلفائها كما هو واضح للجميع.
ثمة فرصة لا تزال قائمة أمام إيران لإعادة حساباتها، مع ضرورة تذكيرها بأنه كان بوسعها فرض حل سياسي معقول على بشار منذ البداية لو حكّمت العقل والرشد، لكن فرصة ليست كتلك لا تزال قائمة تتمثل في التخلص من عبء هذه الحرب، والقبول بتسوية تبقي الدولة السورية من دون بشار الأسد، وتجري مصالحة بين جميع أفرادها من دون أن يترتب على ذلك هزيمة شاملة لإيران، وهو ما قبلت به المعارضة بذهابها إلى جنيف وقبولها بفكرة الهيئة الانتقالية.
نتمنى أن يحدث ذلك، لكن الإحساس السائد هو أن الرعونة التي تعاني منها القيادة الإيرانية ستدفعها نحو الذهاب بعيدا في لعبة الحرب على أمل الانتصار، خاصة أنها باتت جزءا من الصراع الداخلي في ظل شعور المحافظين بأن خسارتهم لها ستعني خسارتهم في الداخل أيضا في مواجهة الإصلاحيين، وتلك كما يبدو باتت أحد المحددات الرئيسية للقرار في إيران.
(الجزيرة 2014-04-16)