المشـروع الوطـنـي الأردني وعوامل الإعاقة

تعرض المشروع الوطني الأردني لجملة من المعوقات العديدة، والخطيرة التي لم تتعرض لها كل المشاريع الوطنية في مختلف الدول العربية والإسلامية والتي بدأت بالتشكل بعد إنهيار الإمبراطورية التركية، وتعود هذه العوامل إلى جملة من الظروف التي سادت تلك المرحلة، بعضها واقعية وموقعية، وأخرى آيدولوجية، وبعضها يعود إلى مغالطات ثقافية وانطباعية، أخذت حيزاً واسعاً من الوجدان العربي.
العامل الأول يتلبس بلبوس ديني وطرح إسلامي جعل من الإنتماء للأردن أمراً معارضاً للإنتماء العقدي، إلى تلك الدرجة التي دفعت أحد الذين يتربعون على قمة الهرم في الشأن الحركي الإسلامي معترضاً على مفهوم الوحدة الوطنية قائلاً: الوطنية وثنية، والإسلام لا يعرف هذا الإنتماء، مما شكل ذلك عائقاً أمام الشباب بالإنخراط في المشروع الوطني الأردني، والإنخراط في الهم الوطني طوال عقود من الزمن تحت وهم الإنتماء إلى المشروع الأكبر.
العامل الثاني يتلبس بلبوس قومي عروبي، إذ يعتبر الإنتماء للأردن مناقضاً لمسألة الإنتماء القومي، والأردن هو عبارة عن امتداد لكيانات عربية أخرى، وهو ليس إلّا برّ الشام ، أو جنوب الشام، ولذلك لا يصلح أن يكون دولة ولا يمكن أن يصلح لاستنبات مشروع وطني، بل يصرّح بعضهم في خارج الأردن بأن الأردن هو بحد ذاته يشكل مشكلة بمجرد وجوده، ولذلك يجب أن يذوب ويتلاشى في الأقطار المجاورة، وهو لا يقوى على العيش ولا يستطيع البقاء، وفي هذا السياق يعتبر بعضهم أن الأردن هي صنيعة (سايكس- بيكو) ومن يدعو إلى مشروع وطني أردني، أو يدعو إلى قوة الدولة الأردنية إنما يسعى إلى تكريس سايكس- بيكو الاستعمارية، ويدعو إلى التقسيم والشرذمة، وهو ضد مشروع الوحدة العربية.
وهناك من يقول إن الأردن (كيان وظيفي) لخدمة معادلة إقليمية مفروضة، وكل من ينخرط في هذا الكيان إنما يعني ذلك انخراطاً في مشروع استعماري، وأطروحة الكيان الوظيفي ما زالت معزوفة يتم ترديدها في كل الحوارات الوطنية حتى هذه اللحظة على مستوى الإسلاميين والقوميين والصالونات السياسية وما يدور في فلكهم من أفكار يتم توارثها عبر الأجيال النضالية.
وهناك عامل آخر مردّه إلى بعض الأحزاب المنحدرة من المنظمات الفلسطينية التي نشأت تحت غاية العمل على تحرير فلسطين، وما حدث عام (1970)م من مواجهة تقوم على جعل الأردن هو مجرد ساحة، ولذلك لا يصلح أن تشكل دولة وطنية مستقلة لها وضعها السياسي المستقل المتميّز دون هذه الغاية لأن ذلك يعيق مشروع التحرير.
و»الإسرائيليون» كذلك يرون أن شرق الأردن عبارة عن صحراء لا تملك شعباً مستقلاً، بل هناك مجموعة من البدوان والقبائل والعربان الرّحل، ولذلك يقترحون على اللاجئين الفلسطينيين أن يجعلوها وطناً بديلاً، وهناك من يردد هذه المقولة أو يعتبرها أمراً واقعاً، ينسجم مع التطلعات الدولية الذين يتبنون هذا الاقتراح لحل مشكلة (اسرائيل) التي يطلق عليها مشكلة الشرق الأوسط.
أمام هذا المشهد نحن نقول إننا في الأردن لا نمثل وضعاً شاذاً عن بقية الأقطار العربية التي تعيش واقعاً سياسياً مفروضاً على العرب جميعاً في أعقاب الحرب العالمية وانهيار الإمبراطورية العثمانية، ونحن مثل بقية العرب الذين يتمنون من كل قلوبهم قيام دولة عربية موّحدة تضم كل أقطار العرب أل(23) أو أكثر، ولكن إلى أن يتحقق هذا الحلم، فقد استأمننا الله على هذه البقعة التي ينبغي أن نبنيها ونحميها ونحرسها، ونقيم مؤسساتها ونبني اقتصادها ونربي إنسانها وفقاً لأعلى معايير الجودة، والدولة الأردنية القوية التي تحترم إرادة شعبها وتصون حريته وكرامته، لا تتعارض مع حلم الدولة العربية الواحدة، ولا حلم الإمبراطورية الإسلامية الكبرى، ولا تتناقض مع حلم العودة لكل الذين خرجوا من أرضهم وديارهم المحتلة.
فليس من المعقول أن يكون الإنتماء للوطن هو نوع من الوثنية أو أن الإنتماء للأردن خروج على الإنتماء القومي والعروبي، فهذا منطق مرفوض في كل شرائع الأرض والسماء، لأن الدين والإسلام جاء ليعزز معاني الإنتماء للأوطان، وجعل الدفاع عنها جهاداً، وجعل الجهاد ذروة سنام الإسلام، والموت في سبيل حماية الأوطان شهادة، والشهادة تعد أعلى مراتب التكريم في الدنيا والآخرة، ولذلك أستطيع أن أقول بكل فخر أنا أردني وعربي واسلامي، دون شعور بالحرج أو الخضوع للجدال الفارغ ودون شعور بالتناقض المصطنع.
المشروع الوطني الأردني هو مشروع الشعب الأردني، ومشروع الدولة الأردنية، وكل مواطن ينتمي لهذا التراب هو جزء من هذا المشروع دون نظر إلى أصله وفصله ومسقط رأسه، ومن هناك فإن هذا المشروع ليس لمكون على حساب مكون آخر كما يشيع بعض الجهلة وأصحاب الأغراض والمصالح الذين امتلكوا الاغتيال الاجتماعي، والطعن والتشويه الشخصي باحتراف.
أعتقد أن كل من يحمل فكراً أو قولاً ينتمي إلى تلك الإتجاهات التي تعمل على إعاقة المشروع الوطني الأردني إنما يناقض نفسه في الانخراط في الأحزاب السياسية، ويتناقض مع نفسه في حمل جنسية هذا البلد، ويتناقض مع مبدأ المواطنة في هذه الدولة، مما يحتم على الأجيال مغادرة هذا المربع من الجدل العقيم، والانتقال إلى مربع الانخراط في المشروع الوطني بقوة وعزم وبأعلى درجات الانتماء الإسلامي والعروبي الأصيل، رضي من رضي، وغضب من غضب.
(الدستور 2014-04-27)