عندما تتدنى المعايير!

تم نشره الإثنين 28 نيسان / أبريل 2014 12:18 صباحاً
عندما تتدنى المعايير!
خيري منصور

كتبت سيمون دو برفوار ذات يوم، وفي ذروة الاحتدام بين اليسار واليمين مقالة عن كاتب الحدود الإقليمية لشخصيته هي قبعته وحذاؤه، وقالت أيضا إنه أحمق، لكن ما أثار انتباهها -بل دهشتها- هو ما سمعته من أحد المدافعين عنه والمتحمسين له، فأدركت أن للاحمق أيضا معجبين به، وهم الأشد حماقة منه.

تتكرر هذه الحالة مراراً في حياتنا سواء أكانت ثقافية أم من تفاصيل الحياة اليومية، فالمقاييس كلها نسبية في نهاية المطاف، فمن يملك ألف دينار فقط يُعتبر ثرياً وربما فاحش الثراء بالنسبة لمن لا ثمن رغيف معه، لكنه يصبح أقل من فقير مدقع إذا قورن بملياردير، وتصح هذه النسبية على الجمال والقبح والمعرفة والجهل ولولا هذه النسبية لأصبحت الحياة مستحيلة لأن الناس عندئذ سيرون الحقائق كما هي بعريها وقسوتها ومراراتها.

لكن المقاييس النسبية تتيح للأقل فقراً أن يكون الأغنى وللأقل قبحاً أن يكون الأجمل وللأقل خوفاً أن يكون الأشجع!

لكن الفارق بين البشر هو أخيراً منسوب الوعي وما يتقطَّر من الخبرة، فالبعض تكون تجاربهم المتكررة أشبه بمطر غربال لا يبقى منها شيء لهذا يكررون الأخطاء ذاتها، وقد ينطبق هذا على مجتمعات أيضا وليس فقط على أفراد، لهذا قال جورج ساتيانا في تأملاته إن الشعوب التي لا تقرأ تنمو دائرياً حول نفسها وتتحول حياتها الى كوميديا أخطاء!

والأحمق الذي يكتفي بإعجاب من هم أكثر حمقاً به لا ينظر إلا للوراء فقط، وأحياناً إلى قدميه وبمرور الوقت وتفاقم الأوهام يصبح في نظر نفسه معصوماً ولا حاجة به الى أية مراجعة أو نقد ذاتي، إلى أن تأزف اللحظة الحاسمة ويدفع الثمن لكن بعد فوات الأوان.

ومن آفات التخلف -إضافة إلى آفة الاختزال والحذف- تدني المعايير وإحراز بطولة السباحة في غدير أو مستنقع، رغم أن هناك محيطات وأنهاراً, وللتربية والإعداد النفسي دور كبير بهذه الحالات، خاصة في مجتمعات تنكفئ داخل شرانقها وتتوقف عن النمو في طور العذراء، في مثل هذه المجتمعات يحلُّ الأقل سوءاً مكان الأفضل، ويطلب من الفرد أن يلعب بالمقصوص كما يقال حتى يأتي الطيار فيقضي عمره كله بلا تحليق، وهو يعبث بطيور بلا ريش وأجنحة ليكتشف أنها في حقيقتها مجرد سلاحف!

ما من حكيم أو فيلسوف إلا وحسد الجاهل الذي ينعم بجنة اليقين، وهناك فلاسفة مثل برتراند رسل حسدوا الجاهل على حريته اللامحدودة، فهو بسبب جهله وضيق أفقه لا يشعر بأي نقصان، لهذا يتلذذ برائحته ويأكل بشهية حيوان وينام باستغراق دب!

إن النسبية التي تخلق للحمقى معجبين بهم وهو الأكثر حماقة منهم، هي الحجاب الحاجز بين الحلم والواقع وبين الذات والآخر، ولولاها لكانت الحياة جحيماً لا يُعاش!!

(الدستور 2014-04-28)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات