كتَّاب وشعراء الضفاف

تم نشره الإثنين 28 نيسان / أبريل 2014 12:27 صباحاً
كتَّاب وشعراء الضفاف
سمير عطا الله

أول شيء بحثت عنه في فيينا عام 1972، كان «الدانوب الأزرق». اعتقدت أنني سأخرج من الفندق ويكون هو في الانتظار خلف الباب، أو أبعد قليلا. فقد ارتبطت فيينا في الذاكرة بموسيقى يوهان شتراوس، «الدانوب الأزرق»، وأغنية أسمهان «ليالي الأنس». لكن الصدمة كانت قاسية. كان الدانوب بعيدا عني بقدر ما كان عصيا على سليمان القانوني. لم يكن أبدا يشق مدينة ليالي الأنس، كما يفصل السين باريس إلى ضفتين، يسرى ويمنى. وثمة ما هو أفدح: لم يكن أزرق على الإطلاق، بل داكنا ملوثا وتعبره البوارج وليس الألحان ولا ترفرف فوقه طيور أسمهان.

لكي ترى مدينة يشقها الدانوب إلى ضفتين، عليك أن تمضي أبعد قليلا إلى بودابست، ولن يكون أزرق في أي حال. صحيح أن كثيرا من المدن والعواصم تقوم على ضفاف الأنهر، لكن انسى حكاية الضفتين المتساويتين. النيل مضى غير عابئ بشيء، في شرق القاهرة. والتيبر لا يقسم روما. ولندن لم تحاول أبدا أن تسمي نفسها، الضفتين. فلا معنى رومانسيا «للتيمز» كما للسين أو الدانوب أو النيل.

وحدها باريس، ولدت وعاشت هكذا. ضفة للجامعات ومعالم البساطة، على يسار السين، وواحدة للقصور والمال على يمينه. ولا عجب أن تدور «البؤساء»، رائعة الأدب الفرنسي، على الضفة اليسرى وفي «مجاهل» المونبارناس. وكان ألكسندر دوما، الروائي الملكي يقول إن الضفة اليسرى قامت لكي تهجر، وليس لكي تأتي الناس إليها. لكنها بقيت «حصة» الشعراء والفقراء والمثقفين. ولا يزال الفارق بين الضفتين واحدا، فنجان القهوة أرخص في اليسرى بخمسين في المائة على الأقل، وعدد الذين يحملون «باغيت» الخبز في طريق العودة إلى البيوت أكبر بكثير، مع أن بعض مناطق اليسرى، كالدائرة السابعة، يفوق اليمين غلاء «وجمالا في الحجارة» كما يقول الفرنسيون في وصف مبانيهم القديمة، التي تبقى، ألق باريس الحقيقي، هي والبولفارات الواسعة، المرصوفة حجارة سوداء من أجل خيول القرون الماضية وعربات الفرسان المدافعين بالسيوف عن شرف عشيقاتهم.

لا تصدق رومانسيات الأنهر. إنها شيء لعطلة الأسبوع ومواضيع للموسيقيين مثل شتراوس، أو كتاب الظرف مثل مارك توين الذي حول المسيسيبي من نهر في حجم البحر إلى قطار بحري يحكي قصص أميركا. كذلك فعل القبطان البولندي جوزف كونراد عندما حول نهر الكونغو إلى حكاية الملحمة البشرية. وسمى الجواهري نفسه «أبو فرات»، الفرات الذي كتب له بدر شاكر السياب أناشيد الحزن. ولم يترك النيل شاعرا أو روائيا مصريا إلا وملأ محابره. وإذ مر في السودان استوقف الفتى الطيب الصالح وقال له: خذ. ابدأ من هنا رواية «موسم الهجرة إلى الشمال».

(الشرق الاوسط 2014-04-28 )

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات