القوميون و تمويل إيران!!

تم نشره الثلاثاء 06 أيّار / مايو 2014 12:30 صباحاً
القوميون و تمويل إيران!!
ياسر الزعاترة

 

خلال العقود الماضية، شعرت النخب القومية بأفول برنامجها، فدخلت في تحالفات مع القوى الإسلامية التي تمتلك الشعبية الأكبر في الشارع، وظهر في هذا الإطار “المؤتمر القومي الإسلامي”، ولأجل تسويق نفسها أضافت إلى خطابها حكاية الديمقراطية، مع أنها لم تكن يوما ضمن برنامجها، إذ انحازت طوال الوقت لأنظمة بوليسية أمعنت قمعا في الشعوب (القضية الفلسطينية كانت شماعة يعلقون عليها بؤس مواقفهم).

مع الربيع العربي افتضح الأمر تماما، فقد وقف القوم مع بشار ضد ثورة شعبه، وحين انقلب السيسي على خيار الصناديق لم يجدوا غير الانحياز إليه، وها إننا نسمع عن ضغوط يمارسها “المؤتمر القومي العربي” على حمدين صباحي المحسوب على التيار القومي لكي ينسحب لصالح السيسي، فيما لا يستمع الأخير (حتى الآن على الأقل)، ليس لأنه منحاز للديمقراطية؛ هو الذي ساند الانقلاب بقوة، رغم أن حزبه خاض الانتخابات على قوائم الإخوان من أجل دخول مجلس الشعب، بل لأن حلم الرئاسة بات يسكنه على نحو هستيري، وبالطبع بعد الأصوات الجيدة التي حصل عليها في انتخابات الرئاسة (2012)، والتي كرَّست عنده ذلك الهوس، وهي التي جاءت من أطياف متعددة، وفي ظل دعم سخي من إيران لحملته الانتخابية، الأرجح أن بعض القوميين أنفسهم كان لهم دور في الحصول عليها.

تدرك النخب إياها (تماما كما هو حال نخب يسارية ينطبق عليها ذات الكلام)، أن الصناديق لا تمنحها شيئا يذكر في أية انتخابات حرة ونزيهة، وحيث تعيش الدول العربية عموما ثنائية السلطة (بصرف النظر عن نخبتها)، والإسلاميين، ولذلك لا يجدون فرصة للوصول إلى السلطة من جديد إلا عبر العسكر والقوة والدولة البوليسية، ويبدو أن هناك من أقنعهم (ربما محمد حسنين هيكل) أن السيسي يمكن أن يعيدهم إلى الواجهة من جديد باستعادته لعبدالناصر، رغم الفارق الهائل في الكاريزما والبرنامج؛ وفي الظروف الموضوعية أيضا.

والغريب أن النخب إياها التي وقفت إلى جانب صدام حسين في حربه ضد إيران، والتي تدعي الانحياز للعروبة والقومية لا تجد هذه الأيام حرجا في الانحياز لإيران والحصول على تمويل منها لكل مشاريعها السياسية والفكرية، بخاصة بعد اللقاء بينهم وبينها على دعم بشار الأسد الذي يجري تخليصه من الثوب الطائفي، ومنحه رداء القومية، فيما يعلم الجميع أن الأخير قد وضع البلد رهينة بيد إيران، وأن وقوف الأخيرة معه لا يعدو أن يكون جزءا لا يتجزأ من مشروعها الذي يعد نقيضا للمشروع القومي العربي.

إنها الفضيحة في أوضح تجلياتها، إذ كيف يتحدث هؤلاء عن مشروع قومي يريدون إسنادا له من إيران التي يتناقض مشروعها تماما معه، بل إن أصل برنامجها هو التقدم في المنطقة والهيمنة عليها، وما حزب الله الذي يتغنون به سوى جزء لا يتجزأ من مشروع الولي الفقيه، الأمر الذي يقوله نصر الله بالفم الملان، ولا نعرف كيف يلتقي مشروع الولي الفقيه مع تنظيرات النخب القومية، ومعها اليسارية؟!

السبب الأهم برأينا هو التناقض المرضي مع القوى الإسلامية، معطوفا على الحسد السياسي، ذلك الذي يعمي تلك النخب القومية واليسارية عن حقيقة المشروع الإيراني في المنطقة، والذي يتناقض كل التناقض مع تنظيراتها، لكن نخبا آفلة لا تجد غير هذا المسار لاستعادة أمجادها، والاستفادة من بركات الولي الفقيه، وعطاياه، فيما يجدها الأخير مطية يستخدمها رغم إدراكه لحقيقة التناقض معها.

إنها الفضيحة، فضيحة نخب ادعت الانحياز للديمقراطية، ثم دعمت الانقلاب عليها، وادعت الانحياز للشعوب، فيما وقفت ضد الشعب السوري الثائر من أجل حريته وكرامته، وضد الثورات عموما، وادعت الانحياز للمشروع القومي، فيما ترتمي في أحضان مشروع آخر مناقض تماما.

والحال أن النخب إياها، والتي تتشكل غالبا من متقاعدين يبحثون عن حضور؛ أي حضور، لم تدرك أن الزمن تغير، وأن الجماهير قد خرجت لأجل حريتها وكرامتها أولا وأخيرا، وهي تنحاز للقوى الإسلامية كمعبرة عن ضميرها الديني والثقافي، في ذات الوقت الذي تعبر فيها عن أشواقها في الحرية والتحرر.

طوال العقود الأخيرة، لم يقدم هؤلاء غير التنظير في قضايا الأمة الكبرى، فيما كانت التضحيات من نصيب القوى الإسلامية، لكن الأخيرة لم تجد حرجا في منح هؤلاء مكانا في المهرجانات والندوات، وحين حانت الفرصة انقلبوا وعادوا إلى ما كانوا عليه من انحياز للدكتاتورية والبطش، وهم بذلك كتبوا على أنفسهم نهاية بائسة لمشروع كانت آفلا في الأصل، لأنه لم يقدم للأمة غير البؤس والقمع والهزائم.

لا شك أن التعميم مخل كالعادة، إذ لا يخلو الأمر من بعض الرموز الذين وقفوا إلى جانب حرية شعوبهم، لكن هؤلاء لم ينجوا من هجمات وتشكيك أولئك. أما الأهم فهو أن الإسلاميين لا يجدون أن العروبة نقيض للإسلام، بل هي رافعته الأهم، ومهما فعل لأولئك النفر، فإن الموقف من العروبة لن يتغير بحال.

(الدستور 2014-05-06)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات