شكلك يرعبني
يدخل العالم مرحلة الصراع المتعدد الأبعاد وبمختلف الأشكال والصور بعد وصول التطور التقني والمعلوماتي الى مستويات تنذر بإنفتاح كلي للشعوب والحضارات على بعضها، ولم تعد المسافات تشكل عائقا في سبيل الوصول الى المعلومة وتوصيلها الى الآخرين، حتى بدا المشهد وكأن الجميع حول العالم يتجولون في سوبر ماركت لاتفصلهم فواصل الزمان والمكان، ويسمعون لبعض ويتحدثون معا ويتبادلون المعرفة والتهم والنصائح ويتشاركون الحمامات والإستراحات، ويتناولون طعاما متشابها، ويشربون مياه معدنية مصنعة في مكان في الجوار، وهم ماضون جميعا الى نهاية واحدة، والى مرحلة تشابك قد تؤدي الى الدمار المرجح، أو الى الوفاق المستبعد بسبب الطبيعة البشرية الجامحة والمنفلتة من كل عقال. فلم تعد القيم الأخلاقية ذات فاعلية تذكر، ولاتشكل القوانين شيئا في مواجهة المروق غير المسبوق والإفلات من الرقابة العامة والذاتية، والنزوع الى تحقيق المصالح بشتى الوسائل حتى لو كانت بعيدة عن روح القانون والعرف الإنساني المتزن والسوي المعتاد عبر الزمن المنصرم. ويمارس ذلك أفراد ومجموعات ومنظمات ودول ترمي تهمة المروق على بعضها البعض وتريد تأكيد الإدانة مهما كلف ذلك من ثمن.
برغم كل ذلك التواصل والإنفتاح فإن النزوع الى التطرف والإقصاء والتهميش والإستعداء على أشده بين المجموعات البشرية والدول المتنافسة على أساس الدين والقومية، وحتى في إطار الصراع الإقتصادي والمنافسة الإستعمارية ومحاولات مد النفوذ الى أماكن قصية من أجل الحصول على مصادر الطاقة وتشكيل حكومات موالية وتأمين منافذ وممرات جوية وبحرية وبرية لفرض شروط خاصة بالمنتصر، ويبدو إن الإلتزام بالتعاليم الدينية تحول عند بعض المجموعات الى نوع من الإستبداد المخيف الذي يسبب شكلا من أشكال الرعب لايفهمه هولاء لأنهم ببساطة يريدون فرض مفاهيمهم هم لا مفاهيم دينهم التسامحي، فيخيفون الناس وينفرونهم من الدين، فصارت دول الإستبداد الديني مصدرا لإنتاج الإلحاد والإبتعاد عن الدين، وصار بعض المثقفين يتبجح ويتباهى إنه من جماعة اللادينيين مع إنه لم يكن يوما من الدينيين، فهو يذهب مباشرة الى اللادينية رغم إنه لم يدخل مرحلة الدينية.
شكلك يرعبني، وببساطة أسألك، أليست لك زوجة ترغب في تقبيلها، أو إن لديك أطفالا حلوين بدلا من إن تداعبهم تظهر لهم بلحية مغبرة تشحط البلعوم لفرط رائحتها الحادة؟ أنت تصيب عائلتك بالرعب لكنهم لايتحدثون إليك بما في نفوسهم لأنك أرعبتهم بالفعل ياسيدي، وصرت ترعب الناس في الشارع وفي المسجد، ولم أعد أستغرب وجود أمثالك في المسجد بهذه الهيئة المخيفة، بينما ينفر الملايين بسببك وجماعتك من المسجد ومن الدين كله، ويقول رسول الإسلام، من أخاف لي عبدا في الدنيا ملئت قلبه رعبا يوم القيامة. في إشارة لا الى سلوكيات اللادينيين، أو أعداء الدين، بل لفرط مايمارسه أدعياء الدين من سلوكيات تصل الى القتل وتتجاوز الإهانة والضرب والتكفير والتفسيق والإقصاء والتهميش وإستعداء الناس.
المجتمع الإنساني يمضي الى الهاوية بسبب الدينيين لأن هولاء يصنعون اللادينيين.
ملاحظة أخيرة، اللحية تكون بمقدار قبضة اليد، وماتجاوز ذلك فهو حمق، هذا ليس كلامي.