طريق الرياض طهران أصبح مفتوحا..!

بعد نحو عام على (المصالحة الكبرى) بين طهران و الغرب ، فتحت الدعوة التي وجهها وزير الخارجية السعودي لنظيره الايراني لزيارة الرياض الباب لاجراء مصالحة اخرى، قد تساهم في حال ( اكتمالها) بترتيب اوضاع المنطقة واعادة رسم خرائط الادوار فيها من جديد.
حين ندقق في (التحولات) السياسية التي شهدتها الرياض مؤخرا، على الصعيدين الداخلي و الخارجي، نجد أنها تحمل أكثر من دلالة و اشارة، منها أن الرياض تصرفت من موقع ( القوة) العربية الوحيدة التي ماتزال تمتلك وزنا سياسيا معتبرا بعد ان انشغلت العواصم العربية الاخرى (بأوضاعها) الداخلية و انسحبت من ميدان التوجيه و التنافس على النفوذ، ومن الدلالات أن الرياض ادركت ان استيعاب ( المد) الايراني، سواء في سوريا او العراق او اليمن، بما يطئمن الجميع على أمن و استقرار المنطقة، يحتاج الى الحوار لا المواجهة، ومنها ان الصرعات التي تدور بالقرب من حدودها، وتلعب طهران دورا فيها، لا يمكن حسمها الا بحلول سياسية، وهذه الحلول تحتاج الى ( توافق) إقليمي لا يمكن ان يمر بدون طي صفحة الخلاف بين طهران والرياض.
مبادرة ( الزيارة) التي اطلقتها الرياض، سبقها تعيين سفير لها في طهران، ولقاءات بين السفير ورفسنجاني، ودور كويتي في (ترطيب) الاجواء بين الطرفين ، وتعهدات من واشنطن بأن علاقتها مع طهران لن تؤثر على دور الرياض، وبالتالي فإن (مناخات) التطبيع كانت مناسبة تماما لاعادة (الدفء) الى العلاقة التي تعرضت في السنوات الماضية لمزيد من الشد و التوتر، وخاصة فيما يتعلق بالملف السوري الذي شكل (ميدانا) للصراع بين البلدين ، ناهيك عن المخاوف التي ظلت تتردد داخل المملكة من تصاعد ( نفوذ) الحوثيين في اليمن، وامكانية ( انسداد) ابواب التفاهم بين الفرقاء في لبنان، وتطور الصراع (الطائفي) في العراق.
على الطرف الايراني، كانت طهران قد بعثت بأكثر من رسالة اتجاه الرياض من اجل تحسين العلاقات، لكن يبدو ان حسابات الحقل آنذاك لم تتطابق مع حسابات البيدر الذي فاجأ الجميع ، وبالتالي فإن (لحظة) تصفية الفواتير ودفعها فرضت على الجميع النزول من فوق (الشجرة) وطي صفحة الماضي.
وهذا يعني سياسيا - الخروج - من دائرة اعتبار ايران مصدر تهديد للخليج، والغاء نمطية ( التحالفات) القديمة التي نشأت في المنطقة واعتبرت فيها طهران الطرف (الضد) ، كما يعني امكانية تبلور خطة ( لتسويات) سياسية، خاصة في سوريا و لبنان، والدفع نحو مصالحة بين الفلسطينيين ، وسد ( الفراغ) الذي تركته مصر في المنطقة، وطي فكرة ( البحث عن عدو مشترك ) بدلا من اسرائيل.
مهما تكن الاعتبارات والاضطرارات التي عبدت الطريق بين الرياض وطهران ، فإنها في النتيجة ستكسر حدة (الاستعصاء) الذي أصاب معظم حلقات (الصراع) و التوتر في المنطقة ، كما انها ستساهم في تخفيف حروب (الهوية) والمذهب التي أصبحت تهدد وحدة عالمنا الاسلامي، أضف الى ذلك انها ستدفع بعض الدول الاخرى الى(اللحاق) بالمبادرة السعودية ، مما يعني أن التقريب بين المشروعين الايراني و العربي، في ظل انكفاء الدور التركي، سيدخل في دورة جديدة تتجاوز (العلماء) و المرجعيات الدينية الى الفاعلين السياسيين ، وهذا الدخول يمكن أن يمنح جهود التقريب مصداقية وفاعلية أكثر .
اذا سألتني عن امكانية عودة (الدفء) للعلاقات بين عمان وطهران ، فإنني اعتقد بأن هذا الاحتمال وارد، وبأن هذه الخطوة ، سواء من خلال تعيين سفير جديد لعمان في طهران، أو تبادل الزيارات بين الطرفين ، لن تتأخر كثيرا، خاصة وان هذه العلاقات ظلت تراوح بين البرودة والدفء في السنوات العشر الماضية ، كما ان ما شهدناه من دعوات (لاطلاق) عجلة التعاون بين البلدين لم تقابل بالرفض وانما تركت للظروف، ومادام ان خط الرياض طهران أصبح مفتوحا فلا شيء يمنع من اعادة فتح الطريق بين طهران وعمان.
يبقى ان (المخاوف) التي تراود بعض عواصمنا العربية اتجاه ( النفوذ) الايراني تظل مشروعة، وتحتاج من طهران الى (مبادرات) حقيقية لتعزيز الثقة ، واقناع الشارع العربي بأنه لا يوجد لايران اي مطامع تضر بالعرب، لا من جهة تصدير المذهب و لا اللعب على وتر (الطوائف) ولا التدخل في شؤون الاخرين الداخلية ...وهذا ما يقتضيه حسن الجوار ناهيك عن (اخوة الدين) التي تجمع بين الطرفين العربي و الايراني .
( الدستور 2014-05-19 )