أشراف من ورق (تزوير التاريخ ووهم النسب )
لعمرك ما الانسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالا على النسب فقد رفع الاسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب ظهرت في الأونة الأخيرة حركة نشطة امتدت على مختلف مناطق المملكة ، وشملت عدداً لا بأس به من أبناء العشائر الأردنية تحاول البحث عن نسب جديد ، وتجمع العديد من عشائر المملكة في أصل واحد يمتد الى بيت النبوة الشريفة ، ناسجين نسباً واهناً كبيت العنكبوت ،وبالوقت نفسه ناسفين نسباً أصيلاً انغرست جذوره في تراب هذه الأرض الطيبة ، وامتدت فروعه في أعماق تاريخ هذه البلاد ، نعم ناسين أو متناسين أن هذه الأرض شهدت قيام أقدم الحضارات عليها ، وهي حضارة أجدادنا السكان الأصليين لهذه المنطقة . وللرد على رواد هذه الحركة المشبوهة ، التي تحاول الانتساب لآل البيت الأطهار ، لغاية في نفس يعقوب وأتمنى أن لا يكون للتشيع دور فيها ، او في تمويلها ، سألخص حديثي بعدة نقاط مهمة علها تفيد في عودة الصواب الى هؤلاء ، والى تنوير أي انسان قد يتأثر بما يروجون إليه من وهم للنسب وتشويه للحقيقة . فلا تقبلن ما يخبرونك ضلة إذا لم يؤيد ما أتوك من العقل أولاً : إن الاهتمام بعلم الأنساب واجب على أبناء القبائل والعشائر ، وهنا تأتي كلمة علم فإذا ما اعتمدنا المبدأ العلمي فإننا سنتحصن بالمصداقية والأمانة ، ويمكننا التصدي بحزم للكذب والتزوير وقلب الحقائق ، ونحن ملزمون بالاهتمام بهذا العلم ، بما أن وسائل البحث ميسرة والابتعاد عن (قال وقالوا ويقولون ) فالعلم هو غير الرواية ، والحوار الجاد والبناء الذي يجري وفق المنهج العلمي ، سينتج عنه بلا شك أداة خير ونفع ورقي للعشيرة والمجتمع ، وان الاستجابة للرأي الصائب هي شيمة العقلاء والعارفين ، وليس عيباً إذا أخطأنا ، ولكن العيب إذا ما كابرنا بتعنت وتمسكنا بالخطأ ، من أجل أن يؤخذ منا ويقال إن فلاناً اخذ عنه ، وأنه مصدر لهذا العلم . ثانياً : إن الكاتب في علم الانساب يحتاج الى الشجاعة والجرأة ، مثلما يحتاج الى العلمية ، لأن الكثير من الروايات تحتاج الى التحليل والتعليل وترجيح رواية على أخرى ، كما عليه الاهتمام بما جاء في بطون الكتب المختصة بالأنساب لا كما يجري اليوم عند البعض ممن دخلوا الى مدينة علم الأنساب ، يحملون الأختام في جيوبهم ويوقعون لهذا وذاك ، يقطعون هذا ويضيفون ذاك ، حتى أصبحنا نسمع ونقرا عن بعضهم بإضافة لقب الشريف الى إسمه ، وكأن الشرف بالنسب فحسب وبالحصول على ورقة وختم _ هذا إذا كان صحيحاً _فما بالك إذا كان وهماً وافتراء ، فالشرف يا سادة يأتي بحسن الخلق والتعامل واحترام الآخر لك ، بناءً على أخلاقك لا نسبك ، وهذا بحد ذاته مسألة مخالفة للشرع لقوله عليه الصلاة والسلام ( كفر بالله من تبرؤ من نسب وإن دق ) وهو حديث رواه البزاز في مسنده وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير ، وقوله عليه الصلاة والسلام ( من انتسب الى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) وهذا الحديث رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة . _1_ ثالثاً : يعتمد الكثير من الباحثين من أبناء العشائر الأردنية عن النسب العريق ، على كتابات مشبوهة وضعها مجموعة من المستشرقين ، الذين كتبوا في تاريخ قبائل وعشائر شرق الأردن وفلسطين ، وقد أعادوا نسب غالبية هذه العشائر للجزيرة العربية وقبائلها المعروفة ، داسين السم بالعسل ، مستغلين حب الانسان العربي للنسب العريق ، هادفين الى إيصال رسالة خبيثة للجميع مفادها أن سكان هذه الأرض الطيبة أصولهم من هناك وليس من هنا ، وأن هذه الأرض يجب أن تعود الى سكانها الأصليين وهم ( العبرانيون ) وهذا شيء خطير ينبغي على كل منا التنبه إليه والحذر منه . رابعاً : يعلم جميع الدارسين والعارفين بقيام الحضارات ، أن من أهم شروط قيام أي حضارة ، توفر الماء والأرض الخصبة والمناخ المعتدل ، وهذا ينطبق على بلاد الشام بشكل كبير ، وقد أكدت عليه الآثار العديدة التي ما زالت شاهداً على قيام عدة حضارات متعاقبة على مدار التاريخ في هذه الأرض ، على عكس الجزيرة العربية وتحديداً مكة المكرمة التي يقول عنها الله سبحانه وتعالى (في واد غير ذي زرع ) فلا يعقل أن تكون الأرض القاحلة شديدة الحرارة منبعاً ومصدراً للسكان، والأرض الخصبة ذات المناخ المعتدل مفرغة لا ساكن فيها . خامساً : على الرغم من معرفتنا بأهمية علم النسب عند العرب سواء في الجاهلية أم الاسلام ، ووضعهم مجموعة لا بأس بها من كتب الأنساب ، إلا أنه ينبغي علينا أن نتذكر أن هناك مرحلة فراغ تأريخي فيما يخص علم الأنساب ، بدأت في اواخر الدولة المملوكية وأثناء حكم الأمبراطورية العثمانية ، فالتراجع الحضاري وسياسة التجهيل التي اتبعت خلال هذه الفترة أبعدت الباحثين عن السير في توثيق الأنساب بشكل علمي مدروس . ولهذا فقد شاب معظم الدراسات الخاصة بالأنساب في العصر الحديث الكثير من التشويه والتزوير ، لاعتماد معظم الباحثين على الرواية الشفوية غير الدقيقة ، إضافة الى الخلط الذي وقع به معظمهم بسبب تشابه الأسماء للكثير من العشائر والبطون العربية ، وهذا أدى الى لبس واضح عند معظم الباحثين في النسب . خاتمة الحديث أقول إن من حق أي انسان أن يبحث عن نسبه ويوثق جذوره ، وهو حق مشروع لكن بتوخي الشرطين الآتيين: 1_ أن يستند الى أدلة ووثائق ومستندات تجعله متأكداً مما وصل إليه 2_ ألا يتعدى على احد ولا ينتقص حق أحد فالمقصود بعلم الأنساب التنقيب عن الحقيقة والحفاظ على النسب . والله المستعان