حبر وملح (أي إعلام لأي مستقبل؟)
الميديا الحديثة كانت الضيف الأبرز على منتدى الإعلام العربي - الذي ينظمه نادي دبي للصحافة - في دورته الثالثة عشرة مستقطباً عدداً كبيراً من الإعلاميين والأكاديميين والمتخصصين في المجالات الإعلامية المختلفة شاركوا حضوراً ونقاشاً على مدى يومين في جلسات متعددة تنوعت عناوينها فيما حملت الدورة عنواناً مشتركاً:»مستقبل الإعلام يبدأ اليوم»، في اشارة الى حجم المستجدات التي يواجهها القطاع الإعلامي على المستويات كافة، مستجدات تكاد تطيح الصورة السائدة التي استقر عليها لعقود طويلة.
لم تحضر الميديا الحديثة وما تفرزه من ظواهر فقط من خلال استضافة السيدة منى البحيري صاحبة مقولة: «شات آب يور ماوس أوباما»، وإنما من خلال النقاشات والجلسات التي لم يغب عنها هاجس الإعلام البديل سواء تلك التي خُصصت مباشرة للحديث عنه أو تلك التي تناولت موضوعات أخرى لكن طيفه لم يغب عنها. وفي معزل عن الجدل الذي أثارته مشاركة البحيري وانقسام الحضور بين مؤيد ومعارض لدعوتها، مع تأكيدنا ضرورة احترامها كإنسانة ورفضنا المطلق لأي اساءة لها، فإن مجرد التفكير باستضافتها يؤكد مدى التأثير الذي بات يمثله الإعلام البديل القادر على افراز حالات وظواهر منها ما هو جدير بالبقاء والتطور والاستمرار ومنها ما لا يعدو كونه مجرد فرقعات آنية سرعان ما تزول مفاعليها وينساها الناس لينشغلوا بسواها في عصر سمته السرعة والاستهلاك.
المهم برأينا في الدورة الحالية من أعمال المنتدى الذي نتابعه منذ انطلاقته قبل ثلاثة عشر عاماً هو ارتفاع سقف النقاش وتميز جلساته بالسخونة وطرح أسئلة جديرة بالتوقف عندها نظراً لارتباطها الوثيق بمستقبل الإعلام نفسه، وهنا لا بد من استحضار الإعلام البديل مجدداً، فلولا هامش الحرية الواسع الذي وفّره جاعلاً كل مواطن اعلامياً بمعنى من المعاني لظلّ الإعلام التقليدي على رتابته وخموله ولما استشعر خطر منافسة تكاد أن تسحب البساط من تحت أقدامه ان لم تكن قد بدأت هذا الأمر بالفعل. ولعل نادي دبي للصحافة برئيسته السيدة منى المري ومديرته التنفيذية الزميلة منى أبو سمرة التي خلفت الزميلة مريم بن فهد وفريق عملهما الواسع وجلّه من النساء - وهذه تُحسب للنادي، أدرك هذه الحقيقة غير السعيدة للإعلام التقليدي فعمد الى اختيار عناوين حساسة للجلسات العشر التي ملأت يومين كاملين بنقاشات ساخنة وصاخبة. ونشير هنا بشكل خاص الى جلسة ناقشت لجوء وسائل اعلام الى توظيف النساء الجميلات فقط لأنهن حسناوات وكأن الجمال يمثل مؤهلاً كافياً بحد ذاته في معزل عن الكفاءة والمعرفة، مع الإقرار بأن بعض الجميلات اللواتي شاركن في الجلسة أثبتن جدارة واقتداراً لافتين.
المشاركة في أعمال المنتدى الذي يمثل التجمع الإعلامي العربي الأكبر سنوياً فرصة للقاء الزملاء وأبناء «الكار» على اختلاف مشاربهم وأجيالهم والإصغاء الى آرائهم المتنوعة حيال المهنة ومتاعبها، لكن أبرز ما يبقى في البال التحديات التي يواجهها الإعلام التقليدي في مقابل الإعلام البديل، لا سيما أن المعادلة لم تعد تقتصر على مُرسل ومتلقٍ، بل صار المتلقي مُرسلاً ومشاركاً فعلياً لا افتراضياً في صناعة الحدث والخبر معاً، وإذا لم يُحسن القيمون على وسائل الإعلام التقليدية المكتوبة والمرئية والمسموعة التكيف مع المُقبل من مستجدات متلاحقة لن نستهجن حينها أن يغدو هذا الإعلام متحفياً صالحاً فقط للعرض والفرجة!
ما نتمناه من منتدى الإعلام العربي في دورته المقبلة طرح بعض العناوين المتعلقة بغياب أو تغييب الكثير من قضايا الناس الجوهرية والحيوية عن وسائل الإعلام التي تخصص موازنات طائلة لبرامج المنوعات وتتقشف في سواها الى حد تخلو معه من البرامج الثقافية والفنية والاجتماعية العميقة، وكذلك برامج الشباب التي ان حضرت فبشكل سطحي وممجوج فيما الشباب العربي يصنع تحولات هائلة على مستوى الميادين والساحات، فهل يعقل الا نحظى ولو ببرنامج واحد يعده ويقدمه الشباب ليطرحوا من خلاله قضاياهم وتطلعاتهم وأفكارهم ورؤاهم المستقبلية خصوصاً أن مستقبل الإعلام نفسه لا يمكن أن ينفصل أبداً عن هؤلاء الشباب؟
(الحيا 2014-05-30)
