هل يكمن الشيطان في تفاصيل الإصلاح ؟
الخلاصة " لم ترتكب الحركة الإسلامية ذلك الخطأ الفادح عندما تمسّكت بمواقفها الداعية للإصلاح , حتى يخرج بعض أعضائها بمبادرة تدعو إلى إصلاح الحركة نفسها , لولا أنها محاولة مكشوفة لإختراق الحركة و تشتيت صفها "
أستغرب صدقاً عندما أفكر بكل تجرد و حيادية , عن ماهية الإصلاح المطلوب الذي يدعو اليه بعض قيادي الحركة الاسلامية السابقين داخل هيكل حركتهم الأم " الحركة الإسلامية " , و الذي دفعهم لإنشاء مبادرتهم الإصلاحية المسمّاة , تيمّناً و تبرّكاً بـ " زمزم ", و باتوا يجتمعون بين الفينة و الأخرى لتقديم رؤى و أفكار إصلاحيّة , كالتي قدّمت في إجتماعهم الأخير في مدينة إربد , رغم أنها لم تُبلغنا بمكامن الخلل و الأخطاء الواجب إصلاحها داخل الحركة .
بل أن أكثر ما أثار إستغرابي و دهشتني من مبادرة زمزم , هو ذلك الزخم الملحوظ من حضور رموز " النزاهة " في بلدي ؟ّ! عندما أعلن عن إنطلاقتها في المركز الثقافي الملكي قبل أشهر .
و رغم أني لست منتمياً للحركة الإسلامية , إلا أنني أتسائل بيني و بين نفسي من خلال مشاهدتي لمواقف الحركة الإسلامية , هل بات موقفها الثابت بعدم المشاركة في الإنتخابات البرلمانية بسبب عدم وجود قانون إنتخاب ديمقراطي , حر ونزيه , يضمن حقها في التمثيل الحقيقي الذي تستحقه, بات موقفاً يتعارض و وحدة الصف الوطني ؟!. و بات لزاماً عليها أن تشارك و لو لمجرد المشاركة غير المجدية , حتى يقال بأنها تقف مع وحدة الصف الوطني .
و هل بات الثبات على مطلب الدعوة للإصلاح و دعم حراكه الشعبي و مكافحة الفساد , بات أمر بحاجة إلى تصحيح و إصلاح .
و هل بات لزاماً عليهم حتى يكونوا أكثر وطنية و إنتماء للهوية الأردنية , أن يقدّموا تنازلات في بعض مطالبهم , و أن يسعوا إلى مفاوضة الفاسدين . أم بات لزاماً عليهم أن يرفعوا سقف مطالبهم و ينادوا بما نادت إليه شعوب الدول المجاورة , فاهلكوا مجتمعاتهم بما صنعت أيديهم .
لا أدري صدقاً أي إصلاح هيكلي تحتاجه الحركة الإسلامية بشقيّها ( الإخوان و حزب جبهة العمل الإسلامي ) , و ما هو الإصلاح الذي ستأتي به " مبادرة زمزم و قيادييها " إن كان مطبخ القرار لدى الحركة الإسلامية كما هو في سابق عهده لم يتغيّر حينما كانوا من بين صنّاعه, يُتخذ بشفافية و إجماع .
ما بال البعض يُحدثنا عن ضرورة الإصلاح داخل منظومة , هي في الأصل أكثر تنظيماً و شفافيّة و مصداقيّة بين نظرائها من التنظيمات السياسيّة , بل و الأكثر تطبيقاً للممارسات الديمقراطيّة بين الأحزاب السياسية قاطبةً و الأكثر تناقلاً للسلطة الهرمية بين التيارات و القوى الوطنية و السياسية .
لنتّعظ من تجربة أشقائنا المصريين عندما أدخلوا أنفسهم و بلادهم في مستنقع الفوضى و الإضطراب بعد خروجهم سالمين مطمئنين من ثورة يناير المباركة .
ولنحذر من فضفضة و فلسفة و تأويل الإصلاح بما لا يحتمل تأويله , فو الله , إن الشيطان يكمن في فضفضة و تأويلات الإصلاح المتعددة .
حكومتنا ذكيّة و تحسن التصرف و تتعامل بتآني و رويّة مع الحركة الاسلامية لمعرفتها بحجم تأثيرها و شعبيتها , فكان من الأسهل عليها , إخراج الدود من بطن الحركة , بإقناع قيادي واحد فقط لا أكثر و لا أقل بأن الحركة تحتاج إلى إصلاح هيكلي ليكمل من بعدها مهمة إقناع الأخرين بضرورة إجراء الإصلاح المنشود داخل الحركة و برأي الشخصي ... تمخض ذلك عن ولادة " زمزم " الحكومية .
يبدو أننا بتنا على دراية كبيرة أكثر بكثير من دراية قيادي مبادرة زمزم أن حركتهم الإسلامية ليست تنظيم سياسي فقط , يُمارس دور سياسي فقط , بل هو تنظيم إجتماعي مرتبط بعقيدتنا الإسلامية , و يربطنا به كمجتمع و كمواطنين , و ليس من السهل كما يعتقد البعض إختراق الحركة و تشتيت قواها و صفّها , و لنا في إنقلاب الأشقاء المصريين على حركتهم الإسلامية عبرة , حينما وجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع المجتمع و كل ما يمتُّ للعقيدة الإسلامية من صلة .
أيّاً كانت مبادئي التي أؤمن بها فإنها لن تمنعني من إحترام و تقدير مواقف الحركة الإسلامية الثابتة , من دعوة للإصلاح دونما مهادنة أو تراجع عن المطالبة بحقوق المواطنين طوال ثلاث سنوات مضت بكل عزمٍ و إصرار .
إخوتنا في زمزم , هدانا و إياكم الله إلى ما فيه خير الرشاد و الهداية , لا يغرنّكم بالله الغرور, فإنما تسيرون و قد تسيّرون المجتمع الأردني لا قدر الله في طريق فتنة , لا يعلم عواقبها إلا الله, فأنتم بصنيعة زمزم تحاولون شرخ المجتمع الأردني بكلمة حق أريد بها باطلاً , و لولا ذلك لما باركت الحكومة ولادتها و سط حضور مكثف و ملحوظ لرموز " النزاهة " في بلدنا الحبيب .