وسِّع الميدان ... نزلت الفرسان
وردني عبر الإميل الرسمي لرابطة الكتاب الأردنيين مقالة لرئيس الرابطة بعنوان "ديك غوغول" ملخصها أن من قاطعوا انتخابات الرابطة وقاطعوا الفعاليات الثقافية لمهرجان جرش احتجاجا على طريقة الرابطة في إدارتها كانوا أشبه بديك غوغول الذي اعتقد أن الشمس لا تشرق دونه وأن الحياة لا تدب في الناس والأرض قبل صياحه، واكتشف في الصباح أن الحياة سارت على نحو طبيعي.
ولكن رئيس الرابطة لا يكتفي بهذا، بل يقول: وبالمناسبة فإن غوغول قد أخبرنا الكثير عن سيكولوجيا القنانة( العبيد) في روايته غير المكتملة ( الأنفس الميتة).
ولا نحتاج هنا إلى محلل أدبي أو ناقد كبير لنعرف أن الكاتب يصف المقاطعين بأنهم عبيد وذوي أنفس ميتة، بل وديكة لا يتقنون غير الصياح قياسا على قول المرحوم عبد الوهاب البياتي " وصياح ديك فر من قفص" مستعملا الديك رمزاً للتفاهة والسخافة.
وإنني أتساءل في هذا المقام : إذا كان رئيس الرابطة قد كتب هذه المقالة بصفته الشخصية ، لماذا يرسلها لأعضاء الرابطة عبر الإميل الرسمي للرابطة. وأبعد من ذلك : لماذا يتعامل بطريقة الدكتاتور الذي يحق له أن يشتم الشعب متى شاء، والأولى بحكم كونه مثقفاً أنه يعرف أن الشعوب ( الهيئات العامة في الجمعيات والروابط) تنتخب الهيئات الإدارية لكي تخدمها وليس لكي تشتمها عملا بالحد الأدنى من العقد الاجتماعي الذي نظم تأسيس الدولة الحديثة ل جان جاك روسو.
الأغرب من هذا أن الخروج السافر عن نظرية العقد الاجتماعي لا يأتي من رئيس نقابة الحدادين أو النجارين بل من رئيس رابطة الكتاب الأردنيين الذي يطلع علينا بين الفينة والأخرى بمقالة يوجهنا فيها إلى طريق الصواب الذي لا يعرفه أحد غيره، ويذهب فيه إلى أبعد من ذلك واصفاً عددا كبيرا من أعضاء الرابطة بأنهم ذوي نفوس ميته وعبيد، ثم يرسلها لنا عبر الإميل الرسمي للرابطة، وكأننا لا نملك ألسنة نحكي بها أو أقلاما نكتب بها ، وهي طريقة لا تختلف عن الخطابات الرنانة التي كان يطلع علينا بها زعماء الهزائم في ستينيات القرن الماضي أيام لم يكن متوفرا سوى صحيفة واحدة وإذاعة واحدة ، ناسيا أن هنالك على الأقل ألف موقع إلكتروني في هذه الدنيا يتسع للرد عليه وعلى غيره ممن يعيشون في حقبة إعلام الدكتاتور.
وهكذا تسبق الحكومة المثقفين مرة أخرى: فالحكومة أكثر تأنياً وصبراً في تصفية معارضيها إذا فكرت في ذلك ، أما المثقفون فلا يدخرون سلاحا في تصفية خصومهم وأحسبهم سيلجأون إلى التصفية الجسدية لو توفر لهم ذلك، والحكومة لم تعاقب من قاطعوا الانتخابات بينما المثقفون يشتمون في كل المنابر المتاحة من يقاطع انتخاباتهم أو حتى أنشطتهم.
يا لها من مؤشرات تشي بشكل التنمية القادمة في بلادنا: بشراك أيتها الأجيال القادمة ( وسِّع الميدان ... نزلت الفرسان)، سوف نبلغ عصر الديمقراطية والدولة الحديثة ربما بعد ألف سنة.