أرقامنا الحكومية أصدق من إفتراءات العالم
في تقرير منشور لمنظمة الشفافية العالمية للعام 2011 حول مقياس النزاهة العالمية لعدد من الدول , توفره للمتصفحين بصيغة Excel xls من باب الشفافية, يرى المتصفح تناقضاً كبيراً و ملحوظاً في نسب التنمية السياسية و الحزبية التي تضمنها التقرير مع تلك النسب التي تصرح بها حكومتنا على الدوام , و الغريب بالنسبة لنا كأردنيين و نحن ننظر الى أنفسنا كمركز للكون !!! أن نرى بعض الدول !!! المتخلفة بنظرنا !!! مثل كينيا و أذربيجان و ليبيريا و قد سبقتنا في سلم التنمية السياسية خصوصاً في حرية تشكيل الأحزاب و عدم التضييق عليها .
تقول بعض الأرقام الصادرة عن التقرير و الحال لم يختلف أبداً عما نحن عليه في العام 2014 لعدم وجود قانون إنتخاب جاهز و عدم وجود قانون أحزاب متفق عليه من الاحزاب و عدم وجود برلمان نيابي شعبي , أن 60% فقط من المواطنين الأردنيين يملكون فرصاً متساوية للمشاركة في الأحزاب السياسية في الأردن بينما تصرح الحكومة الأردنية من خلال تصريحاتها المختلفة خلاف ذلك بتاتاً , لتقول أن كل المواطنين يملكون فرصاً متساوية للمشاركة و بأنه لا يوجد مطلقاً أي نوع من المضايقات أو المنع أو التأثير على إرادة المواطنين في ميولهم و أفكارهم و إتجاهاتهم الحزبية و السياسية و الدليل اني سمحت بإقامة ملتقى للأحزاب السياسية في عقر الجامعات الأردنية الممنوعة عليهم .
رقم أخر صادر عن النزاهة الدولية يقول أن 50% فقط من المواطنين الأردنيين قادرين على تشكيل أحزاب سياسية و الباقين غير قادرين. بينما تقول الحكومة أن جميع المواطنين متساوون أمام القانون و لهم الحق في تشكيل الأحزاب .
طبعاً حكومتنا الموقرة تعلم علم اليقين و تهتم بتلك الأرقام و التقارير أكثر من إهتمامنا نحن بها كمواطنين أو كحزبين , و تحاول على الدوام نفي تلك الإدعاءات و الإدعاء بخلاف ذلك تماماً , و الإدعاء بأنها تحترم حقوق مواطنيها السياسية, سعياً منها للمحفاظة على تدفق المساعدات المالية الدولية لها , و التي تحولت آلية الدعم المقدمة من الدول المانحة في السنوات الخمس الاخيرة من دعم نقدي مباشر إلى دعم نوعي مُتمثل بتمويل المشاريع , بسبب التقدم الملحوظ للأسف للأردن في سلم دول الفساد و التراجع الملحوظ في مقياس الشفافية , بل باتت آلية الدعم تستند إلى أرقام تلك التقارير التي تصدرها المنظمات المتخصصة كشرط لديمومة تدفق المساعدات و تحديد حجمها .
فحكومتنا تدعي على الدوام أن إباحة العمل الحزبي المطبّق حالياً - وجود 34 حزباً سياسياً في الوقت الراهن و المزيد منها قادم - لدليل على إطلاق باب الحريات و إحترامها لحقوق مواطنيها السياسية . و يصرح وزير شئونها السياسية و البرلمانية أن الحكومة بصدد طبخ قانون إنتخاب نزيه و عصري سيرى النور خلال العام القادم , و تارة أخرى يصرح بأن عزوف الشباب الأردني عن العمل الحزبي شيء طبيعي جداً و أنه يعزى تلك الظاهرة إلى أنها عالمية الحدوث.
في وقت تغفل فيه حكومتنا الموقرة أن الطابق لدينا بات اكثر من مكشوف و عالأخر أمام العالم أجمع ... و إلا ما كان لهم أن يصنفوننا تارةً في أعلى درجات سلم الفساد و تارة في أدنى درجات سلم الحريات الإعلامية , ناهيك عن الإهانة تلو الإهانة التي يوجهونها لنا بأننا دولة غير حرة ديمقراطياً بينما يددعو جلالة الملك الحكومة لتنفيذ أوراق نقاشاته الديمقراطية .
كم هي مسكينة حكومتنا فهي تحاول جاهدة إقناع الجميع ( نحن و العالم ) أن فتحها لباب الحريات السياسية لا يوجد ما يقابله من أبواب موصده , و لسان حالها يقول : ما المانع من تبعية الاحزاب لوزارة أمنية , و ما المانع من إفراغ وزارة التنمية السياسية و تفويضها بإقامة ورش عمل , و ما المانع من تدخل الأجهزة الأمنية في عمل الأحزاب , مادام كل ذلك يُفعل لحماية الوطن ؟!
بالفعل كم هي مسكينة حكومتنا حينما تصدق نفسها و تريدنا أن نصدق ما تقوله , غير مدركة أن مرآة الواقع تعكس مدى تقدم تنميتنا السياسية من تراجعها , و أن عدم وجود قانون إنتخاب و أحزاب مستقرين إلى جانب عدم وجود برلمان شعبي بعد ثلاث دورات متتالية إنما هو عين الفشل نفسه , و يخلف على تلك التقارير التي لم تصنفنا في ذيل القائمة , و تكرمت علينا بأن أبعدتنا عن ذيلها قليلاً .