عيد الاستعلاء على الجراح

هتاف المسلمين في العيد هو «التكبير» الذي يعبر عن عقيدة المؤمن بأن الله أكبر من كل كبير، وأكبر من كل جبار عنيد، وهو القادر على قصم العتاة الظالمين، مهما امتلكوا من أدوات السحق والتدمير، وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير.
هتاف التكبير في العيد يبعث الحياة في القلوب المتعبة، ويثير كوامن القوة في النفوس، ويمسح على جراح المجروحين، وينمي مشاعر الاستعلاء على ظروف المشقة والاستضعاف، من أجل امتلاك العزيمة على النهوض والمقاومة والجهاد ببسالة وروح معنوية مرتفعة، مستمدة من عقيدة الايمان الذي لا يتزعزع ولا يضعف ولا يلين أمام المصائب والمحن.
أهل غزة مثال للشعوب المسلمة في صمودها وثباتها وعزيمتها أمام غطرسة العدو وقوته التدميرية الهائلة، ومثال للقوة النفسية الجمعية التي تستعلي على الجراح، وتملك العزيمة على الجهاد والمقاومة، والاصرار على إلحاق الأذى بالعدو، وتكبيده خسائر في الأرواح فادحة لم يكن يتوقعها، مما جعلهم يحققون مفاجأة صادمة لقوات الاحتلال، وكل المتحالفين معه، والمتواطئين مع العدوان.
القوة الحقيقية تكمن في النفوس، قبل كمونها في المعدات والأدوات المادية، والهزيمة الكبرى تتجلى في الهزيمة النفسية والمعنوية، وفي كسر إرادة الأمة على الصمود والثبات والمقاومة، ولذلك تجد أن الحروب دائماً تكون مصحوبة بالحملات الاعلامية والحرب النفسية، لأن النتيجة الحقيقية تتجلى في البعد النفسي، وليس في احتلال الأرض وقتل البشر، ومن هنا فإن الفئة المؤمنة لا تهزم حتى لو خسرت جولة أو جولات، ومن يتمسك بحقه سوف تكون له العاقبة مهما طال الزمن ومهما كان حجم الخسائر.
فإذا أجرينا مقارنة في البعد النفسي والمعنوي بين الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة من جهة، وبين الشعب»الاسرائيلي» من الجهة الأخرى، فإننا نجد فارقاً هائلاً، واضحاً وملموساً من خلال مؤشرات التعامل الجمعي مع آثار المواجهة، مقابل الفارق الهائل في القوة المادية وقوة السلاح بين الطرفين، وبناءً على الفارق النفسي تستطيع أن تستقرىء خريطة المواجهات القادمة، ومن يملك التفوق النفسي والمعنوي يملك القدرة على تقليص الفارق المادي، ويملك المقدرة على قلب موازين القوى، إذا بقي مستعصياً على الهزيمة النفسية.
العيد فرصة ثمينة لإعادة ترميم القوة النفسية للأمة ورفع روحها المعنوية من خلال الهتاف الجماعي «الله أكبر، الله أكبر» الممزوج بقوة الايمان ورسوخ العقيدة في القلوب، ومن خلال إجماع الكتاب والاعلاميين والمثقفين والخطباء والواعظين على الاسهام في ترميم البناء النفسي للأمة، ودعم صمود أهل غزة وامدادهم بمدد نفسي ومعنوي الى جانب المدد المادي بكل تأكيد.
هذا لا يعفي القادة السياسين والمفكرين والمحللين العرب، من قراءة المشهد بعقل بارد، ومن الوقوف على مآلات الأحداث وسياقاتها من أجل الاسهام في دفع الأجيال نحو امتلاك المشروع الجمعي للأمة وتجاوز الاستغراق بالأحداث الجزئية المعزولة عن سياقها العام وتجاوز حالة غياب المشروع الجلي الواضح أهدافاً وغايات، والواضح في الوسائل والأدوات، وفي الآفاق الاستراتيجية بعيدة المدى، وفي النتائج والمآلات.
(الدستور 2014-07-27)