عــــيـــد يــلــيـــق بالشـــهـــداء..!

اذا كان العيد في أدق معانيه هو العبادة التي تفضي الى السعادة، فإن غزة، بأهلها ومقاومتها ودماء شهدائها، تمنحنا معنى آخر يليق بها وبالعيد وهو معنى الشهادة.
وبهذا تستحق غزة العيد بامتياز، فقد صمنا عن الاكل والشراب وصامت عن المذلة والخضوع والضيم والاستسلام، فهي أحق منا بالعيد، وقد زرعت فينا معنى النهوض والانتصار، ومنحتنا في لحظة سكن فيها اليأس قلوبنا فرصة للأمل، ومن بين كل الذين (افطروا) على الصمت والشماتة والحياد افطرت غزة على الجهاد ودماء الشهداء، فأتى العيد، عيدها، ليذكرنا بأننا أمة حية، وبأن بوصلتنا التي تاهت في طرقات ( الذبح) المتبادل : ذبح الشقيق للشقيق، استعادت اتجاهها الصحيح، فالعدو واضح، والدماء الزكية تصب في رصيد كرامة الأمة.... لا في رصيد الذين ابتهجوا بصيامها عن الفعل والكلام... وعن الدفاع عن حقوقها ووجودها ايضا.
عيد غزة، هوعيد ( الشهادة) حيث الشهادة فعل وحياة، عبادة وسعادة لا مجرد موت مجاني تختلف فيه الرايات، او تختلط فيه الحقائق بالرغبات، وحيث العيد ليس اياما تحددها المواقيت والاهلة، وانما موسم للتحرر من الرتابة والهزيمة، وموعد للأخذ بالعزيمة، وفرصة لمواجهة الظلم وايام تضيف للانسانية قيمة الحرية اذ يسجلها المستضعفون بدمائهم لا بالاحبار على الورق أوبالهدايا الرخيصة التي تتداولها الايادي... وانما بالارواح المشتاقة الى الحسنيين :النصر أو الشهادة.
معنى العيد الذي نستلهمه من غزة هو أن تستعيد أمتنا عافيتها، وتبدو في أجمل صورها، حيث كتلتها الاجتماعية متكافلة ومتماسكة، وحيث نداؤها في صباح العيد واحد: الله أكبر من العدوان ومن الظلم ومن الحروب ومن (الجبارين) الغزاة، هذه هدية غزة لنا في هذا العيد، وهي كافية لتبرز جمال المسلم وهو يشهر للعالم صورة ( البهجة) حتى وهو مسجى في تابوت الشهادة..أو وهو يواجه المحن والمصاعب.
غزة في العيد تعلن للعالم انها ( تقاوم) الظلم، حتى ولوكانت وحيدة، وأنها (مستقلة) بقرارها وصمودها وتضحياتها، وموحدة بالمجتمع الذي تنتمي اليه، غزة تكشف أمام الملأ قدرتها على الصبر الذي تعلمته من مدرسة الصيام، وقدرتها على الشكر والحمد رغم جراحاتها النازفة، وقدرتها على الخروج من المحنة بأوامر الفريضة الى ( الانتصار) بأوامر الواجب، وكأنها عالم يجمع كل شيء : تزاوج بين الابعاد المختلفة وتجمع كل ما يبهج العالم من صفات.
غزة تمنحنا في العيد فرصة ان نعود الى فطرتنا الاولى، والى طفولتنا التي نراها في عيون الصغار –هناك- حيث لا خوف ولا مهانة رغم ما فيها من حزن، فالعيد الذي نتعلمه منهم ليس بتغيير اللباس وانما بتغيير الافكار والمشاعر، وغزة الفكرة ( المقاومة) هي العيد الجديد الذي يوقظ فينا فطرة الانسانية، وهي التي تفتح أعيننا على (جمال) الكون حين يهزم الحق الباطل، وينزاح فيه الظلم عن الانسان.
غزة التي تعلمنا قيمة العيد حيث يكون بمعنى (الشهادة) تصارحنا بأنه لا معنى للعيد اذا لم نطرد اليأس من قلوبنا، ونترك لارواحنا ان تطير في فضاء البهجة بجناحي الحمد والشكر، ونتجاوز حدود الضيق والحسرة الى حيث (السعادة) الحقيقية التي ترفرف على الأمة حين تكون أقرب الى ذاتها ودينها وانسانيتها.
في عيد الشهادة (تعلمنا) غزة ايضا معنى ( الفرح) الأصيل لا الفرح المقلد البديل، فالعيد الذي هو انتصار على النفس والعدوان، موسم للفرح الحلال وللاصرار على التغيير والانتقال من مرحلة الهوان الى الكرامة، والثقة بأن بعد العسر يسرا، وبأن اليأس أقصر طريق الى الكفر.
في هذا العيد لا يليق بنا أن نقيم خيام الحداد، فهذا موسم ( الانتصار) بالاعياد، حتى وان كانت الضحايا بالآلاف، فشتان بين هديتين: هدية حزينة تعمق الجراح وتثبط الهمم وتقتل الروع وهدية مبهجة تبعث الامل وتعيد الهمة وتروّح على النفس وتدفع للصمود في مواجهة الكرب.
في عيد الشهداء ، لامكان للاحزان ولا وقت للندب وشق الصدور، ولطم الوجوه، فما قدمته غزة يستحق ان يسجل في رزنامة الاعياد، وان يبقى في ذاكرتنا على المدى...طوبى لغزة عيدها النبيل...وطوبى لشهدائها ( فرحة) اللقاء بالسماء.... وكل عام وأنتم بخير وصمود وانتصار.
(الدستور 2014-07-28)