نهاية الدولة العربية

تم نشره الخميس 14 آب / أغسطس 2014 01:05 صباحاً
نهاية الدولة العربية
كريستوفر ر. هِل

في منطقة حيث تبدو الأزمات هي القاعدة، تشير أحدث جولة من جولات العنف في الشرق الأوسط إلى أن شيئا أكبر يجري على قدم وساق هناك: بداية تفكك الدولة القومية العربية، والذي انعكس في تفتت شبه الجزيرة العربية السُنّية على نحو متزايد.

لقد أصبحت الدول في الشرق الأوسط أضعف من أي وقت مضى، فالآن تبدو السلطات التقليدية، سواء الأنظمة الملكية الشائخة أو الأنظمة المستبدة العلمانية، عاجزة بشكل متزايد عن رعاية شعوبها. ومع تزايد ضعف سلطة الدولة، تزداد الولاءات القَبَلية والطائفية قوة.

فماذا قد يعني اليوم أن تكون عراقيا أو سوريا أو يمنيا أو لبنانيا؟ إن أي تحديد للهوية يحمل أي مغزى اليوم يحتاج في ما يبدو إلى اسم مركب عراقي سُنّي، أو سوري علوي، وهلم جرا. وكما تشير مثل هذه الأمثلة فقد تحولت الهوية السياسية إلى شيء أقل تمدينا وأكثر بدائية.

مع اشتعال النيران في العراق، يرى كثيرون أن غزو العراق واحتلاله بقيادة الولايات المتحدة مسؤول عن تقديم مفهوم طائفي للهوية في البلاد عن غير قصد. والواقع أن الطائفية كانت دوما على قيد الحياة وفي أتم صحة في العراق، ولكنها أصبحت الآن القوة الدافعة والمبدأ المنظم للسياسة في البلاد.
عندما حكمت أقليات طائفية أو عِرقية الدول -على سبيل المثال السُنّة في العراق- كانت مصلحة مثل هذه الأقليات قوية في تحجيم النزعة الطائفية أو العرقية. فكانت تتحول غالبا إلى النصير الرئيسي لمفهوم مدني أوسع للانتماء الوطني، يحتضن الناس جميعا من الناحية النظرية. وفي العراق، كان ذلك المفهوم هو البعثية.

ورغم أن هذا المفهوم كان أكثر ارتباطا بالأقلية السُنّية من الأغلبية الشيعية، فقد تمكن من الاستمرار لعقود من الزمان كوسيلة لتحقيق الوحدة الوطنية، وإن كانت وحدة تتسم بالقسوة والاستهزاء.

وعندما دمر الاحتلال الأميركي حزب البعث -ومعه أيديولوجيته المدنية- لم يحل محله أي مفهوم مدني جديد، وفي الخواء السياسي الذي نتج عن ذلك، كانت الطائفية البديل التنظيمي الوحيد القابل للتطبيق.

وبالتالي أصبحت الطائفية بمثابة الإطار الذي يحتوي السياسة العراقية، مما جعل من المستحيل تنظيم أحزاب غير طائفية على أساس المصالح الاجتماعية الاقتصادية المشتركة على سبيل المثال.

وفي السياسة العراقية اليوم (مع تنحية الأكراد جانبا)، نادرا ما يصوت عربي سُنّي لصالح عربي شيعي، أو العكس، وهناك منافسة دائرة بين الأحزاب الشيعية وبين الأحزاب السُنّية، ولكن قِلة من الناخبين يجتازون الخط الطائفي، وهو واقع كئيب ومن غير المرجح أن يتغير لسنوات قادمة.

إن توجيه أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة عن الحالة التي بلغتها الأمور في العراق ربما كان في محله بدرجة ما (ولو أن البديل المتمثل في ترك الدولة البعثية في عهد صدّام حسين لم يكن جذابا بشكل خاص أيضا). وبوسعنا أن نقول نفس الشيء عن ليبيا (ولو أن ذلك التدخل لم يكن بقيادة الولايات المتحدة). ولكن الولايات المتحدة لم تغز أي دولة أخرى في الشرق الأوسط -على سبيل المثال لبنان وسوريا واليمن- حيث أصبحت قدرة الدولة على البقاء محل شك.

هناك أسباب عديدة وراء ضعف الدولة القومية العربية، وأكثر هذه الأسباب وضوحا وقربا هو إرث الربيع العربي. ففي بداية الربيع العربي في عام 2011، نزلت الجماهير العربية إلى الشوارع تسعى إلى الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية أو الملكية التي رأي كثيرون أنها فقدت طاقتها واتجاهها، ولكن هذه المظاهرات الأولية، التي افتقرت غالبا إلى قادة معروفين أو برامج معلومة، سرعان ما استسلمت للعادات القديمة.

وبالتالي، فرغم كل الوعد الأولي الذي حمله الانتقال السياسي في مصر بعد زوال نظام حسني مبارك المدعوم من المؤسسة العسكرية، كانت النتيجة تشكيل حكومة من جماعة الإخوان المسلمين التي جعلتها أيديولوجيتها الإقصائية مرشحا غير مرجح للنجاح في الأمد البعيد. ومنذ بداية حكمهم كان أغلب المراقبين على اقتناع بأن أيامهم في الحكم باتت معدودة.
وعندما أطاحت المؤسسة العسكرية بالإخوان المسلمين من السلطة بعد عام واحد، بارك هذه الخطوة العديد من المصريين الذين ألهمتهم الحركة الديمقراطية التي أطلقها الربيع العربي. وتظل مصر ناجحة في الحفاظ على الحس الأقوى بالدولة القومية في المنطقة، ولكن مجتمعها أصبح رغم ذلك محطما ومقسما، وسوف يستغرق سنوات عديدة قبل أن يتعافى.

وكانت دول أخرى أقل حظا. ففي ليبيا كان تهريج معمر القذافي الفاسد المشؤوم سببا في فتح المجال للقَبَلية البدوية التي يصعب خلطها في دولة قومية عاملة. واليمن أيضا ابتلي بالخصومات القَبَلية والانقسام الطائفي الذي فرض تحديات كبيرة على الدولة.

وفي سوريا، لم يعد من المرجح على الإطلاق أن يُعاد بناء ذلك المزيج الهش من السُنّة والعلويين والأكراد والمسيحيين وغير ذلك من الطوائف في هيئة دولة كما كان ذات يوم.

الواقع أن هذه العمليات تتطلب نهجا سياسيا أعرض اتساعا وأكثر شمولا من قِبَل الدول الغربية. ولابد أن يضع هذا النهج في الحسبان أوجه التآزر في المنطقة لا أن يتظاهر بأن التغيرات التي تضعف هذه الدول غير ذات صلة على نحو أو آخر.

ويتعين على الولايات المتحدة بشكل خاص أن تدرس الكيفية التي تعاملت بها مع انهيار سوريا والعراق، وأن تكف عن التعامل مع كل حالة منهما وكأنها منفصلة تماما عن الأخرى، فقد دعت أميركا في الأولى إلى تغيير النظام في حين سعت إلى تثبيت النظام في الثانية، وبدلا من ذلك حصلت في النهاية على تنظيم الدولة الإسلامية في كليهما.

(بروجيكت سينديكيت 2014-08-14 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات