عقلية البناء

تم نشره الخميس 21st آب / أغسطس 2014 12:55 صباحاً
عقلية البناء
د. رحيل محمد غرايبة

تشتد حاجتنا جميعاً إلى السعي نحو إيجاد عقلية البناء، التي تبذل قصارى جهدها في التفكير في البناء، وتعظيم الانجاز والزيادة في الانتاج، والمسابقة نحو التجويد والتطوير والتنافس في الابداع، وإيجاد العقلية الابتكارية، القادرة على تجاوز حالة العجز والسكون، من أجل امتلاك قدرة التغلب على التخلف المزري الذي يلف المكان.
«البناء» ينبغي أن يكون ملخص الرؤية للحكومة في هذه المرحلة، ومضمون رسالتها التي تنعكس في أداء كل الوزارات، على اختلاف مجالاتها، بدءاً من وزارة الثقافة المسؤولة عن تصحيح المسارات الفكرية والأنماط الثقافية السائدة في المجتمع، وارساء معالم ثقافة البناء عبر التوجيهات النظرية، وعبر المطبوعات الورقية والالكترونية وعبر الأنشطة والمهرجانات العديدة التي يجب أن تنبثق جميعها من هذه الفلسفة وتخدم هذه الغاية.
والدور الأكبر والأكثر أهمية يقع على وزارة التربية التي ينبغي أن تنطلق في عملية الاصلاح التربوي والتعليمي القائمة على اعداد الجيل وصياغة عقل الناشئة، بعد وضع معالم الفلسفة الشاملة التي تنطلق منها العملية الاصلاحية، والتي ينبغي أن تركز على ايجاد « العقلية البنائية» التي تتجاوز أقاويل الفوضى والهدم إلى أفاق العمل والإنجاز، وهذا ينبغي أن ينعكس في المناهج الجديدة المتدرجة في هذا المفهوم عبر المراحل الدراسية، والمصحوب بإعداد المدرِّس القادر على فهم هذه الفلسفة ومقتضياتها وامتلاك أدواتها وأساليبها.
تبدأ عملية بناء العقلية الايجابية المنتجة منذ مرحلة الروضة حيث تنقدح شرارة القدرة على التفكير بمنهجية علمية ثم تواصل المشوار عبر المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية والثانوية، من أجل الشروع بعملية بطيئة ومتدرجة للصياغة الشاملة للجيل الجديد القادر على امتلاك أدوات النهوض وعناصر القوة الفكرية والوجدانية والبنوية.
الجامعات تشكل المحطة الختامية في عملية بناء الجيل المتسلح بالقدرة المكتملة نظرياً وعملياً، للخروج إلى الحياة والميدان، والشروع بالتطبيق والإمساك بخطوط الانتاج، وهذا يحتاج إلى ثورة عارمة على صعيد المناهج والخطط الدراسية، وعلى صعيد الأساليب والأدوات، وعلى صعيد المدرسين والأساتذة.
هذا كلّه لا طريق لتنفيذه إلّا عبر المشروع الوطني الواضح الذي ينخرط فيه القادة وأصحاب الرأي والنخب على الصعيد السياسي والاجتماعي والفكري والثقافي وأبناء الأردن الذين يملكون الرؤية الصحيحة، والانتماء الوطني العميق القائم على حب متأجج ومشاعر فياضة بعشق تراب الوطن الذي يصل إلى مستوى التضحية بالنفس والمال بلا أدنى تردد.
ينبغي أن نغادر فلسفة الهدم، ومرحلة المراهقة السياسية التي مكثنا عقوداً طويلة، وأن نغادر مرحلة التشكي والشعور بالعجز واتقان لغة الخصام والفرقة وفن القاء التهم، والانطلاق نحو مرحلة جديدة وثقافة جديدة تتمحور بجوهرها على فلسفة البناء والتفكير الايجابي المفعم بالأمل، والمدعوم بروح التوافق والمشاركة، والتسامح وتقبل الآخر، عبر إطار حضاري واسع ومرجعية قيمية نبيلة مستمدة من تاريخنا وواقعنا وتنسجم مع العقل والفطرة.
ليس من المبالغة القول إن أحد أسباب فشل الربيع العربي هو عدم تبني فلسفة البناء على مستوى الشعوب والمؤسسات، وعلى مستوى القوى السياسية كذلك، التي عجزت عن إعداد نفسها وكوادرها لعملية البناء، واستغرقت في عملية الهدم، حيث أن عملية البناء تحتاج إلى جهود مضنية، وسهر وإعداد ورؤية ووضوح فكري، وامتلاك مهارات عملية متخصصة، وتجربة ميدانية بالإضافة إلى الانتماء الوطني والشعور الوجداني العميق الذي يظهر بوضوح في الأجيال الجديدة التي تتحمل عبء النهوض والإمساك بمفاصل التغيير بكفاءة واقتدار.

(الدستور 2014-08-21)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات