الإسلام واليابان

البرفسور الياباني «اتسوشي اكودا» الذي يرغب بتسمية نفسه الدكتور كمال، وهي الترجمة العربية لاسمه الياباني، والذي يشغل موقع رئيس قسم إدارة السياسات والدراسات الاسلامية في كلية الدراسات العليا للحوكمة والاعلام في جامعة كيئو، تحدث في الندوة التي تمت في مركز دراسات زمزم عن حاجة الشعب الياباني للاسلام، ونبه إلى ضرورة التواصل بين العرب والمسلمين وبين اليابان، ويبذل الدكتور الياباني جهده في بناء علاقة قائمة على التبادل العلمي والمعرفي من خلال تشجيع الطلاب اليابانيين على تعلم اللغة العربية، لأن اللغة هي الحاجز في ضعف التأثر والتأثير المتبادل في نظر البرفسور كمال.

الشعب الياباني شعب منضبط، يلتزم بمنظومة القيم، ويلتزم بالنظام العام، ويقبل على العمل لساعات طويلة، ويقدر الانتاج، وكان معروفاً بتقديس الأسرة، والانتماء العميق للوطن، إلّا أن المجتمع الياباني تعرض لتغيرات هائلة بعد الثورة الاقتصادية الحديثة، وتعرضت قيم المجتمع والأسرة إلى هزات عنيفة تهدد مستقبل الأجيال، حيث يقل الإقبال على الزواج ويتجه الشباب إلى تربية الكلاب ومصادقتها، وبعضهم يلجأ إلى اقتناء اللعب للتعويض عن الفراغ العاطفي الكبير، وتتحدث بعض الدراسات عن ارتفاع نسبة الانتحار لدى الشباب الياباني، بحيث تم احصاء (30) ألف حالة انتحار في العام، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الإدمان والإقبال على القمار، وانتشار سمة التقليد للحياة الغربية في الأزياء وغيرها.

ما يجلب الانتباه ضعف العلاقة العربية اليابانية، وضعف التواصل بين الشعوب العربية والشعب الياباني، رغم الانتماء المشترك لمنظومة الشرق وعالم القيم، ورغم أن التاريخ بينهما لا يحمل بقايا استعمارية أو بقايا من حروب، مما يجعل الطريق ممهدة لنسج علاقات جديدة، وبناء تواصل علمي وثقافي مفيد، من أجل التطلع إلى مستقبل حضاري جديد، عبر الاستفادة من تجارب الشعب الياباني الغنية في مجال العمل والانتاج والانتاج الصناعي المتقدم.

يبدو أن المشكلة لدى الجانب العربي، أو أن النسبة الكبرى من المسؤولية تقع على عاتق العرب أولاً، لأن حاجة العرب لهذه العلاقة أكبر وأشد من حاجة اليابانيين، مع أن اليابانيين يمكن أن يجدوا لدى العرب أسواقاً مفتوحة لمنتوجاتهم، وأرضاً خصبة لتطلعاتهم الاقتصادية، ولكن المحاضر يشير إلى حاجة الشعب الياباني إلى الإسلام من أجل معالجة كثير من الاختلالات الاجتماعية، ومن أجل وضع حد للتدهور في عالم الأسرة، ومن أجل انقاذ مستقبل المجتمع الياباني، واستكمال معاني السعادة من خلال عقيدة الإيمان بالحياة الأخرى.

البرفسور الياباني ألمح إلى أن ما يجري في البلاد العربية من قتال وحرب أهلية يعد من أكبر العوائق أمام إقبال اليابانيين على الإسلام، أو اقبالهم على انشاء علاقات مع شعوب المنطقة، وألمح إلى تقصير العرب والمسلمين في نشر قيمهم وأفكارهم من خلال عدم تمثلهم لهذه القيم، ومن خلال رسم صورة مشوهة عن الإسلام وأفكاره الحقيقية، ربما لم يقل ذلك صراحة ولكنه أشار بإشارة اللبيب، عندما أجاب على سؤال أحد الحاضرين عن المطلوب من العرب نحو اليابانيين، فقال : أفضل ما تقدمونه أن تقيموا السلام الاجتماعي في أوطانكم، وأن توقفوا مسلسل القتل والدمار في بلدانكم.

هذه هي القضية الجوهرية التي ينبغي أن يفهمها العرب والمسلمون جيداً، أنهم يلحقون الضرر بأنفسهم أولاً عندما لا يستطيعون تمثل قيم الإسلام الحضارية في واقعهم، ويلحقون الضرر الأكبر بإسلامهم ودينهم ومعتقدهم وقيمهم عندما يقدمونه على هذه الصورة البشعة، الملونة بالعنف والدم، وليس هذا فحسب بل من خلال جملة التصرفات والسلوكات الظاهرة في التعامل في الشوارع والأسواق، وفي التعامل مع كل عناصر الوجود، وفي التعامل مع الوقت، وفي ممارسة العمل، وفي هدر الأوقات وتحطيم القيم والخروج على القانون والنظام في الكبيرة والصغيرة.

محاضرة البرفسور الياباني جعلتني أشعر بحزن شديد على أحوالنا العربية وأشعر بالأسف تجاه واقعنا البائس، وكم نحتاج من وقت وجهد ومراجعة لكل المسارات على صعيد ذواتنا أولاً، قبل أن نمارس انتقاد الآخرين، وقبل أن نعتب على أحد في العالمين.

( الدستور 2014-09-12 )