الطاووس «الإسرائيلي» والرخاوة السياسية

تستعرض كالطاووس متباهية امام العرب والفلسطينيين بشكل استفزازي، تتحدث عن دور افتراضي في الحرب على الارهاب تبذل جهدا لتسويق نفسها كقوة قادرة على المساهمة بهذه الحرب، بل انها تتحدث عن امكانية التدخل في حال تعرض الاردن لتهديدات «داعش»، تحاول الربط دون جدوى بين «الارهاب» وحركة المقاومة الفلسطينية حماس، تتباهى بيبع الغاز الفلسطيني وبالمشاريع والتحالفات والشركاء، متناسية انها قتلت اكثر من 2000 مواطن فلسطيني وجرحت ما يقارب العشرة آلاف وتعتقل اكثر من خمسة آلاف منهم في سجونها، تتناسى انها سلطة احتلال وانها تصادر اراضي الفلسطينيين في الضفة وتسجن ابناءهم وتقتلهم سواء امام منازلهم او في المعتقلات كان آخرهم من مدينة الخليل.
تروج لسلام اقتصادي وتعاون امني وشراكة اقتصادية وتعمل في ذات الوقت على بناء المستوطنات وتعتدي يوميا على المسجد الاقصى، تتحدث عن السلام وحقوق الانسان وتمارس الفصل العنصري على فلسطيني الـ48 في حيفا ويافا وعكا والناصرة، تتحدث عن الامن وهي تعتدي على أمن الفلسطينيين يوميا.
الوحدة الاستخبارية (8200) ليست كشفا جديدا بالنسبة للفلسطينيين، فالوحدة الاستخبارية تعتدي على حياة الفلسطينيين المدنيين وتحول حياتهم الى جحيم منذ زمن طويل، وحدة ما كان للعالم ان يكتشف حقيقتها لولا رسالة الاعتراض والاستقالة التي وجهها افرادها من جنود الاحتلال الى قادتهم السياسيين والعسكريين كاشفة الانتهاكات التي تمارسها بحق الفلسطينيين، فهي تمارس الارهاب بحجة حماية امن الاسرائيليين وهي شريك بقتل ما يزيد عن 2000 مواطن فلسطيني في حرب غزة الاخيرة.
كل ذلك مفهوم ومعروف عند الفلسطينيين والعرب، المستغرب ان تتأخر الاجراءات القانونية والمواجهة السياسية مع هذا الكيان العنصري ونزع ريش الطاووس المتباهي، «اسرائيل» تسابق الزمن للتملص من جرائمها بمحاولة تسويق نفسها كحليف في مواجهة الارهاب وتوسع حملتها على فلسطينيي الضفة الغربية وتحاول الاستفادة من حالة الارتباك العربي، في حين تتأخر اجراءات المصالحة نتيجة النزق الذي تعاني منه قيادات سياسية في «رام الله»، الحاجة باتت ملحة لهجوم مضاد يربط «اسرائيل» بالارهاب والعنصرية ويكشف حجم جرائمها وانتهاكاتها، أمر قصّرت فيه القيادة السياسية في «رام الله»، فضلا عن كونها قصرت في اتمام المصالحة واصلاح منظمة التحرير الفلسطينية لمواجهة التحولات الدولية والاقليمية.
جولة المواجهة في غزة لن تكون الاخيرة سيتبعها المزيد من الجولات بحكم الطبيعة العدوانية والمتطرفه التي تصبغ «الكيان الاسرائيلي»، فهو لا يلتزم بالعهود والمواثيق ولا يعرف التوقف الا عندما يصطدم بقوة صلبة سياسيا وعسكريا، وعلى الرغم من محدودية امكانات الفلسطينيين العسكرية الا انها كانت الى حد ما ناجعة ورادعة، ولكن المشكل الاساسي بات في الرخاوة السياسية الناجمة عن هواجس غير مقبولة تتمسك بها السلطة في رام الله ولا تخدم المصالح الاستراتيجية الفلسطينية، ففضيحة الوحدة (8200) الاسرائيلية تعتبر نكتة امام جريمة واضحة قتل فيها 2000 فلسطيني، جريمة لم تحرك السلطة في رام الله لاطلاق معركة قانونية تخدم عزل «اسرائيل»، فهي لا زالت سلطة تحتفي بالبساط الاحمر ورمزيته، فاذا كان هذا حالها الآن، فماذا سيكون حالها لمواجهة الهجمة المتصاعدة على القدس والاقصى، اخيرا ان اصرار المقاومة الفلسطينية وحركة حماس على المصالحة على لسان القيادي «خليل الحية» لا يعني البتة الاستمرار بالنهج الرخو من سلطة رام الله.
الرخاوة السياسية ستقود الفلسطينيين نحو ازمة عميقة طرفاها بالتاكيد لن يكون حماس والجهاد من جهة والسلطة، فالضفة الغربية التي لم تبق مدينة فيها بل قرية الا وقدمت شهيدا في اقل من شهرين فقط، وغزة المثخنة بالجراح والقدس التي تتهاوى اسوارها امام الحصار الاسرائيلي ولاجئو لبنان وسوريا في معاناتهم كلها اسباب لتفجر ازمة كبيرة وخطيرة لن تتحمل مسؤوليتها حماس والجهاد بل قيادة السلطة ومنظمة التحرير، كما هو معلوم مأزق ستواجهه سلطة «رام الله «عاجلا ام اجلا وحدها في ظل التأزم القائم بالضفة الغربية، السير بالمصالحة والتوقف عن الرخاوة السياسية الوسيلة الوحيدة لنزع فتيل ازمة ناجمة عن حالة التدهور المستمر ووضع حد للطاووس المتباهي.
(السبيل 2014-09-16)