الحرب «الإسرائيلية» على الأطفال

ينبغي أن على العالم والمجتمع الدولي وهو منشغل في الحرب على الإرهاب والتطرف، أن لا ينسى جذور الإرهاب الحقيقية، ويجب أن لا يغفل عن الأعمال الإرهابية التي تمارسها الدول والجيوش والكيانات السياسية عبر سياسات الاحتلال والإعتداء على الشعوب الأخرى وشن الحروب، وممارسة أبشع السياسات العنصرية والتمييز الديني والمذهبي والعرقي حيث يدخل ذلك في مسمى الإرهاب ومعناه الجوهري دون أدنى شك.
أما الأمر الأكثر وضوحاً وسطوعاً في ساحات الإرهاب الدولي هو المتعلق بالحرب على الأطفال، حيث تقول بعض الإحصاءات الصادرة عن مراكز توثيق مختصة إن قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل ما يزيد على (250) قاصراً فلسطينياً في القدس المحتلة تحت شبهة المشاركة بأعمال عنف ضد شرطة الاحتلال، والمستوطنين اليهود، حيث تم اعتقال هذا العدد منذ حزيران الماضي، ممن هم دون سن (12) عاماً، وهم يتعرضون لمعاملة سيئة، وبعضهم تعرض إلى الموت حرقاً على يد بعض المستوطنين كما حدث مع الطفل (محمد سنقرط) قبل أشهر وليس هناك أشد ارهاباً من ترويع الأطفال وتعذيبهم.
قوات الاحتلال تمارس أعمالاً إرهابية لا تقل بشاعة عما تمارسه المجموعات المتطرفة في سوريا والعراق أمثال القاعدة والنصرة وداعش وغيرها، ويأتي على رأس هذه الأفعال التي ترفضها كل الأعراف الدولية، وكل القوانين الإنسانية العالمية، المتعلقة باعتقال مئات الأطفال القصر تحت شبهات أعمال عدائية للاحتلال، ومن أشد أفعال الاحتلال الصهيوني بشاعة ما يتعلق بدور العبادة، حيث أفادت كثير من الدراسات التوثيقية مصادرة كيان الاحتلال لعدد كبير من المساجد الإسلامية وتحويلها إلى مطاعم واستراحات ومحلات لبيع الخمور، وبعضها تم تحويله إلى مزارع حيوانات، من باب المبالغة في أعمال الاستفزاز المقززة للمشاعر الدينية للمسلمين، وامعاناً في اتباع سياسات تميزية ضد العرب، وضد المسلمين، وأكثر ما يتم ممارسته في الوقت الحاضر ما يتعلق بالإعتداء اليومي المتكرر على المسجد الأقصى، حيث يتعرض هذا المسجد إلى حصار دائم، وحواجز دائمة تمنع المصلين، وتسيء إليهم، بل إن الإساءة تعدت ذلك إلى النساء اللواتي يأتين إلى الصلاة في الأقصى، وممارسة الضرب والإهانة، واستخدام الكلاب في تدنيس الأقصى، وهناك محاولات دائمة لإفساح أوقات محددة للمستوطنين اليهود، والمتشددين للدخول إلى ساحات الأقصى وممارسة شعائر وطقوس يهودية في عملية استفزاز دائم لا يتوقف.
الاحتلال نفسه وبحد ذاته هو عمل إرهابي بشع وشنيع، بل هو عنوان الإرهاب الأكبر، لأن ممارسة قهر شعب واحتلال أرضه، وتشريده، لا يقارن بقتل شخص أو ذبح صحفي أو تهديد رهائن وهي أعمال بشعة دون أدنى شك، لأن الشعب الفلسطيني كله يعيش رهينة في أرضه ودياره ومساجده ومقدساته، وما ينبغي الالتفات إليه بوضوح وضرورة تذكير العالم كله، أن الممارسات الاحتلالية في فلسطين كانت سبباً لتفجير شرارة التطرف والعنف في المنطقة كلها، وسوف تبقى تشكل أهم عامل من عوامل شحن مكامن الغضب في كل شباب العالم الإسلامي على امتداد الرقعة الأرضية، وتمتد الممارسات العدوانية الصهيونية لتنال من المقدسات المسيحية كذلك، مما يزيد من النقمة الواسعة المتجذرة لدى عامة الشعوب العربية، وسوف تبقى التحالفات الدولية، والحروب العالمية عاجزة عن اجتثاث ظواهر العنف والتطرف، في ظل غض الطرف عن الجذور والأسباب والعوامل التي تغذي هذه الظاهرة وتمدها بعناصر البقاء والديمومة، وتشكل البيئة المناسبة لرعاية بذورها، وعلى رأسها إرهاب الاحتلال.
ينبغي أن لا يعد هذا القول من باب التقليل من بشاعة ظواهر التطرف وجماعات العنف التي تضرب في عمق الأقطار العربية، ولكن لا بد من الوقوف على أهم الأسباب والعوامل التي شكلت وما زالت تشكل الأساس والمنطلق والحاضنة لأعمال التطرف بكل أشكاله ومجالاته، ويجب وقف كل الإعتداءات بين الدول وإلغاء كل الاحتلالات التي مارستها الدول الكبرى وحليفاتها وإعطاء الشعوب حقها في حريتها وتقرير مصيرها أولاً.
(الدستور 2014-09-22)