في معركة "سوق العبدلي"

محزنا كان مشهد الاحتجاجات والاشتباكات بين قوات الدرك والأمن العام وبين أصحاب البسطات في سوق العبدلي الشعبي، الذي قررت أمانة عمان الكبرى إزالته، ونقل بسطاته إلى الموقع البديل في منطقة راس العين. وهي الاشتباكات التي نتج عنها إصابة رجال أمن ومواطنين بعيارات نارية، واستخدمت فيها عبوات "المولوتوف" الحارقة؛ حيث تحولت ساحة العبدلي، ولاحقا وسط البلد، إلى ما يشبه ساحة حرب.
لنتفق، أولا، أن لجوء المحتجين إلى استخدام العنف، فكيف باستخدام بعضهم للسلاح، في وجه الشرطة والدرك، هو أمر مرفوض ومجرم قانونيا، ولا يمكن قبوله بحال. ورغم ضمان القانون والدستور الحق في التعبير والاحتجاج لأي مواطن، في أي قضية، فإن ذلك لا يعني القبول باللجوء إلى العنف تحت أي ظرف.
هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن خطوة "الأمانة" بخصوص سوق العبدلي الشعبي، يمكن النظر إليها من باب سلسلة إجراءات وخطوات تنظيمية شرعت بها منذ أشهر، لتنظيم الأسواق والأرصفة، وتحديدا فيما يتعلق بالبسطات التي تضخمت ظاهرتها خلال السنوات الثلاث الماضية بصورة كبيرة، لتعكس واقعا، ليس تنظيميا بلديا فقط، بل وواقعا اجتماعيا واقتصاديا لشريحة كبيرة من المواطنين، امتهنت العمل بهذا القطاع غير المنظم، والذي باتت تعتاش منه آلاف الأسر، وبات قطاعا مولدا لفرص العمل، لشباب تنخر فيهم البطالة والفاقة.
لكن الإقرار بأهمية مثل هذا القطاع، والحاجة الاقتصادية والمعيشية له من قبل شريحة واسعة من المواطنين في عمان وغيرها من مناطق، لا ينفي الحاجة الماسة إلى إعادة تنظيمه، وتنظيم الانتشار العشوائي للبسطات، بل ومعالجة مناطق نفوذ تشكلت في القلب من هذا القطاع، يديرها متنفذون ونواب، أو صرفت تراخيصها بلا حساب ولا تنظيم ضمن استراتيجية رسمية سابقة لشراء الولاءات ومواجهة الحراكات. وهي استراتيجية يفترض اليوم أنها انتهت، ولم يبق منها غير أعبائها وتشعباتها على القطاع البلدي وغيره.
"قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق" هو الشعار الذي يجب أن تعمل تحت مظلته أمانة عمان والبلديات، وهي تشتبك اليوم مع توسع ظاهرة البسطات وقطاع البيع غير المنظم في الأسواق الشعبية. فتأمين فرص العمل وعدم الحد من المتوفر منها في السوق، هو واجب ومسؤولية الحكومة والمؤسسات البلدية، مع حق بل وواجب هذه الجهات، في التنظيم القانوني والإداري، ووقف الاعتداء على القانون والتنظيم. ويتم ذلك بإعادة تنظيم الأسواق الشعبية الموجودة، وفتح المناسب منها في أماكن تخصص لذلك، وتوفر لها الخدمات. وكذلك أن تحرص "الأمانة" والبلديات على أن تذهب تراخيص البسطات وفرص العمل فيها لمواطنين مستحقين، لا متنفذين وأصحاب "أياد بيضاء" على الحكومات!
المجتمع مع التنظيم القانوني والبلدي للبسطات والأسواق الشعبية، ومع إزالة كل التشوهات القانونية والأمنية التي رافقت هذه الظاهرة. لكنه في الوقت ذاته، مع توفير أسواق بديلة كافية ومناسبة، وضمان بقاء آلاف فرص العمل الكريم لهذه الشريحة من المواطنين.
(الغد 2014-10-13)