أردن واحد..مسلمون ومسيحيون

تم نشره الإثنين 20 تشرين الأوّل / أكتوبر 2014 12:09 صباحاً
أردن واحد..مسلمون ومسيحيون
حسين الرواشدة

لا أحتاج الى الدفاع عن موقف الاسلام من المسيحية، يكفي ان اشير فقط الى ان السيد المسيح ورد ذكره في القرآن اكثر من اي نبي اخر(25 مرة) كما ورد ذكر أمه البتول وقصة مولده بالتفصيل، وقد جاءت الآيات كلها في مجال الاحترام والاشادة وميزت العلاقة بين المسلم والمسيحي «بالمودة»، فهم في ذمة الله ورسوله وفي ذمة المسلمين ايضا، ودائرة «الذمة « هنا بما تشتمل عليه من حقوق واعتبارات وبما تمثله من دلالات مثل دائرة «الملة» تماما ،وربما تكون اوسع واشمل..فانت مع من يكون في ذمتك احرص واقرب ممن يكون في «ملتك».
لكنني بالطبع احتاج الى الدفاع عن موقف المسلم اليوم من اخوانه المسيحيين الذين يشاركونه في الوطن الواحد، او حتى في الدائرة الانسانية الواحدة، لا للرد على الصورة البائسة التي خرجت علينا من قمقم التوحش وصدمتنا –المسلمين قبل المسيحيين - ولا للدفاع عن الحضور المسيحي في مشرقنا ،وهو حضور اصيل وجميل، وانما لاعادة التذكير بحقائق عديدة غابت عنا بسبب هذا العمى الذي افقد امتنا بصرها وبصيرتها ،وجردها من احساسها ،واغرى المتربصين بها لتمزيقها وتفتيت مكوناتها ،والعبث بهويتها وصولا الى الانقضاض عليها واقتلاعها من الجذور.
اولى هذه الحقائق ان التطرف لا دين له ولا ملة ، وكما انه يستهدف المسلمين ويعبر عن اسوأ ما لديهم فانه يستهدف غيرهم من الذين يتشاركون معهم في التاريخ وفي الحضارة والوطن ، وفي الجغرافيا ، وهي شراكة «اقدار» وخطى كتبت علينا فمشيناها معا، بجراحاتها وآلامها، وبالتالي فاننا مسلمين ومسيحيين امام هذا الوباء سواء ويجب ان نكون في مواجهته سواء.
ثاني هذه الحقائق انني لا اشعر كمسلم تجاه المسيحي الا بما اشعر به تجاه المسلم والانسان, فنحن وان اختلفت طرقنا في الوصول الى الله تعالى وجهان لذات واحدة, لا فرق بينهما الا بمقدار العطاء والانجاز , والالتزام بالقيم الوطنية والانسانية المشتركة ،ولا معنى لوجود احدهما الا بوجود الاخر, هما ليسا
طرفين متقابلين وانما طرفان متجاوران - مثل اليدين في الجسد الواحد تماما - لا غنى لطرف عن الاخر.
ثالث هذه الحقائق هي ان الاختلاف بين المسيحي والمسلم يتعلق بالمجال الانساني والوطني العام , خاصة في الحقل السياسي, ولا علاقة له بالمجال الديني, وبالتالي لابد ان نفهم هذه الاختلافات المشروعة في سياقها الحقيقي لكي لا نوظفها في لعبة الصراع والجنون التي افرزتها حالة الضعف التي تمر بها امتنا لاسباب معروفة يتحمل وزرها المسلم والمسيحي معا, وان اختلف نصيب كل منهما في ذلك.
رابع هذه الحقائق هي ان العلاقة بين المسلم والمسيحي –في بلدنا تحديدا- تعكس» الصورة الفطرية» لرؤية الدين اولا , ولارثنا الاجتماعي ومراسيمنا الصحيحة ثانيا, ولطبيعة الشخصية الاردنية ثالثا , وهي بالتالي تعبر عن افضل ما افرزه مجتمعنا, وهو ما يجب ان نحافظ عليه ونعتز به, ولهذا لا يجوز ان نفكر «بامتحان» هذه العلاقة لانها راسخة ومتينة و موثوقة وتحظى باجماع اغلبية الاردنيين ان لم يكن جميعهم, ومجرد التفكير بامتحانها يعني اننا نشك في ذاتنا او اننا نتعامل مع بعضنا بمنطق المجاملة.
خامس هذه الحقائق هي ان اسوأ ما يمكن ان نفعله-حتى وان كانت النوايا بريئة وسليمة- هو ان نفاضل بين المسلم و المسيحي في دائرة الوطن الواحد الذي نحن شركاء فيه سواء على اساس وظيفي او سياسي , لان المفاضلة ستنصرف على الفور الى «الاختلاف في الدين « , وهذا اساس منعدم وغير مشروع ، واما المفاضلة المشروعة والمطلوبة فهي «وطنية» بامتياز ومسطرتها الكفاءة والاخلاص للقيم والاهداف والمصالح المشتركة او –ان شئت- المواطنة الحقة.
سادس هذه الحقائق هي ان انحيازاتنا يفترض ان تتوجه الى الافكار والمواقف لا الى الاشخاص, فبمقدار ما نلتقي على هذه المواقف والافكار في اطارها الوطني بمقدار ما تتوحد او تتقارب احكامنا وخياراتنا.
سبق ان ذكرت مرارا انني شخصيا، ارى المسيحي الوطني العروبي الملتزم اقرب اليّ من كثير من المسلمين الذين اختلف معهم في الموقف، فانا افضل -مثلا-البابا شنودة –رحمه الله -المعروف بمواقفه العربية والحضارية على كثير من العلماء المسلمين الذين استقالوا من وظائفهم الدينية والقومية، وكثيرا ما تعجبني عبارة احد اخواننا المسيحيين الكبار في مصر(اظنه مكرم عبيد)»انا مسيحي الدين، مصري الجنسية ومسلم الثقافة»...ولدي مخزون كبير من الاحترام لقامات مسيحية وفكرية وادبية ،من طرفة بن العبد الى امرؤ القيس الى النابغة الذبياني الى ابراهيم اليازجي الشاعر المصري الكبير الى جورج انطونيوس الذي اختار مسكنه بجانب الحاج امين الحسيني، الى امين الريحاني ،الى الاخطل الصغير واحمد فارس شدياق وجول جمال وصولا الى المرحوم ادوارد سعيد .. وغيرهم الكثير الكثير.

(الدستور 2014-10-20)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات