الإنسان أثمن رأسمال
جاء الوقت لكي نتخلى عن الفكرة القائلة بأن عمل أي شيء نافع يتوقف على توفر المال وإنفاقه. ليس فقط لأن المال ليس متوفراً ، بل أيضاً لأن هناك إصلاحات وقرارات اقتصادية وسياسية هامة لا تحتاج للمال بل للإبداع وقوة الإرادة.
ما يعيق جامعاتنا من الظهور ضمن أفضل 500 جامعة في العالم ليس قلة المال على أهميته ، فلو قامت الحكومة بتسديد عجز الجامعات ، وأمنت لها دعماً مالياً سخياً ، فإن ذلك بحد ذاته لن يخلق باحثاً متميزاً يستطيع أن ينشر بحثاً علمياً في مجلة عالمية متخصصة.
في عهد الأزمة المالية المحلية قبل ربع قرن تقريباً تم وضع خطة تنمية. وفي حينه قيل لا معنى للخطة في ظل عدم توفر المال وارتفاع عجز الموازنة وعدم القدرة على خدمة الديون ، فكان الجواب الصحيح أنها خطة سياسات وليست خطة استثمارات حكومية.
معنى ذلك أن كثيراً من إجراءات التصحيح والانطلاق لا تحتاج للمال بل للعقل والإرادة ، ومع أن البنك الدولي الذي يقدم لنا القروض يحب أن يربطها بهدف مرغوب فيه مثل تطوير قطاع التعليم أو إعادة هيكلة القطاع الصحي ، فإنه يعرف تماماً أن التطوير وإعادة الهيكلة ليسا بحاجة للتمويل ولا علاقة مباشرة لهما بالقرض الذي يذهب لتسديد جانب من عجز الموازنة!.
الفرق في الأداء بين وزير وآخر في نفس الوزارة لا يقاس بحجم الموازنة الموضوعة تحت تصرفه ، فقد تكون الموازنة نفسها للاثنين. الفرق يكمن في سياسات وقرارات الوزير التي تضع الأمور في نصابها ، بل أن القرارات الصحيحة كثيراً ما تؤدي لتوفير المال وزيادة الكفاءة أي إنتاج أكثر بكلفة أقل.
الحكومة الجديدة ستعمل بموجب الموازنة التي كانت الحكومة السابقة تنوي العمل بموجبها ، أي أن حجم الإنفاق سيظل كما هو ، فهل يعني ذلك أن إنجازات الحكومتين ستكون متطابقة ، أم أن الكثير يعتمد على ديناميكية المسؤول وقدرته على اتخاذ القرار السليم في التوقيت الصحيح.
ليست هذه محاولة للتقليل من أهمية المال ، فهو قادر على صنع العجائب ، ولكن هناك حالات يتوفر فيها المال بغزارة في بلد يبقى متخلفاً ، وحالاًت أخرى يعز فيها المال ولكن البلد يحقق تقدماً لافتاً ، ولا ننسى أن الإنسان هو أثمن رأسمال.