الأمن العام والدرك أم وزارة التربية والتعليم؟
يسجل لمديري الأمن العام والدرك حضورهما للنقاش الجريء والمعمق الذي انعقد في البحر الميت على مدى يومين. وقد كانت مديرية الأمن العام شريكا للمجلس الاقتصادي الاجتماعي ومركز الدراسات الاستراتيجية في “الملتقى الوطني: سيادة القانون وظاهرة التوترات المجتمعية”.
ما دق مدير الأمن العام على صدره وقال “أنا لها”، بل تصرف بتواضع من يعرف حدود الدور الأمني بدقة، فهو يتعامل مع “النتائج والإفرازات”، أما الأسباب فهي مسؤولية مؤسسات أخرى في الدولة والمجتمع. وإن كان فخورا بما تحقق على يد جهاز الأمن العام خلال عقود وهو ما تثبته الأرقام والإحصاءات الدولية عن عدد الجرائم ونسبة المكتشف منها.
وقد شارك في النقاش رؤساء حكومات ووزراء داخلية ومسؤولون أمنيون سابقون، وكان لافتا مشاركة مدير الأمن العام الأسبق، فاضل علي فهيد، الذي كان محظوظا بتولي مسؤولية الأمن العام في وقت الازدهار الديمقراطي، مطلع التسعينيات. وتمكن من نقل الجهاز بسلاسة من مرحلة الأحكام العرفية إلى مرحلة الديمقراطية في ظروف حرب الخليج الثانية وتداعياتها.
تحدث فهيد عن حوار في تلك المرحلة مع أحد مساعديه عندما طلب استخدام القوة ضد المواطنين، فرد عليه وهو القادم من المؤسسة العسكرية “أنا من خلفية عسكرية وأتحدث بلغة أمنية وأنت من خلفية أمنية وتتحدث بلغة عسكرية، فالجيش هدفه إيقاع أكبر الخسائر بصفوف العدو من خلال القوة أما الأمن فهدفه العكس، حماية أرواح المواطنين..”.
المشكلة في سياسيين، لا هم عسكريون ولا هم أمنيون، يتحدثون عن مخالفيهم بمنطق العدو الذي يجب إيقاع الخسائر في صفوفه وإجلائه عن أرض الوطن. مع ملاحظة الفرق بين المعارضة التي تمتلك حقا طبيعيا في التظاهر والاعتصام وإصدار البيانات وبين “التوترات الاجتماعية”، ومع أنها جاءت في سياق المعارضة إلا أنها لا تنتسب لها فكرا ولا برنامجا ولا مؤسسات (أحداث حي الطفايلة، وعجلون، ومعان الأخيرة).
رسم الباحث أحمد أبو خليل لوحة موجعة لحي الطفايلة، الذي انتقل أهله من فقر إلى فقر، ولا تملك إلا أن تتعاطف مع الراحل صادم السعود، الذي نشأ يتيما في أسرة من أحد عشرفردا، ولم يجد فرصة لائقة في التعليم أو العمل. وفي تجواله في الحي البائس الذي نشأ في شقوق الجبل القصي تخال أن الحل معماري، قبل أن يكون اقتصاديا أو تربويا أو أمنيا.
غابت أمانة عمان ووزارة التربية عن أحداث حي الطفايلة، تماما كما غاب الإصلاح السياسي، وحضر الأمن وحيدا، وقيل “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون”.
في التوترات المجتمعية جميعا كانت وزارة التربية الغائب الأكبر، أتحدى إن كان وزير التربية والتعليم يمتلك الجرأة ويطلعنا على واقع المدارس في معان وحي الطفايلة! في غياب الإصلاح السياسي لا أمل إلا في الإصلاح التربوي الذي سيبدو أيضا حلما غير واقعي.