البيان السلفي واهمية التوقيت
هو الحق ، الذي لا يختلف عليه اثنان من العقلاء ، فالحق احق ان يتبع ، والحكمة ضالة المؤمن ، اينما وجدها التقطها ، وان الصمت عن الحق في موقع الكلام ظلم ، كما ان الفتوى ، التي اصبحت موضة من لا مرجعية له ، يتبعها ويصدّقها الكثير من العامة ، الذين تحركهم العواطف ، وتلعب بعقولهم الكلمات.
ولم يحدث لدين من الاديان السماوية ، ان جاءت الاساءة له من ابنائه والمؤمنين به ، كما حدث للدين الاسلامي الحنيف ، خاصة في العقدين الاخيرين من الزمن ، اللذين شهدا تحولات في طريقة طرح الخطاب الديني ، حتى وصلت حد اباحة قتل الروح ، التي حرّم الله الا بالحق.
كما ان الكثير من المفاهيم تغيرت ، خاصة التي يمكن ان تلبس ثوب الدين ، او يتم تنفيذها بثوب الاسلام ، وما حصل خلال الحرب على السوفييت ، في مرحلة سابقة ، عندما كانت الشيوعية تجثم على صدر افغانستان.
في تلك الفترة ، تطوع البعض من العرب ، وغير العرب ، ومن دول مختلفة ، للحرب مع الافغان ضد السوفييت ، ومن عاد منهم الى بلاده ، كان يستقبل استقبال العائدين من ميادين النصر ، فيتم الاحتفال بهم ، بل وتكريمهم ، وقد حصل ذلك في بعض الدول العربية والاسلامية.
بالطبع كان كل ذلك يتم بدعم ومباركة من الولايات المتحدة الاميريكية ، سواء بالمال او الدعم اللوجستي ، لكن وما ان انتهت الحرب الباردة ، وخرج السوفييت من هناك ، حتى تم توجيه البوصلة ، الى هدف اخر .
ظهر ما يسمى بتنظيم القاعدة ، الذي تغلغل في اكثر من منطقة ، فخرجت ما تسمى بالقاعدة في بلاد الرافدين ، واخرى لدول الشام ، واخرى للمغرب العربي ، وهكذا ، حتى ان المراقب للاحداث ، وهو يرى اذرعها الممتدة بهذه الصورة ، يتساءل ، ترى من ورائها ومن يغذيها ويوجهها؟.
احداث الحادي عشر من سبتمبر الفين وواحد ، وانهيار البرجين في نيويورك ، وضعا القاعدة ، كعدوة اولى لامريكا ، بعد اتهامها بانها الفاعلة والمنفذة والمخططة ، وبدأت عملية مطاردتها في مغاير تورا بورا وقندهار وغيرها.
اما اسامه بن لادن ، فكان يخرج في كل مرة ، على شاشات التلفزيون ، يحذر ويتوعد ، ويصر على الانتقام من اعداء الاسلام ، وكان يكيل التهم للاغلبية من العرب ، وكانهم هم الذين يطاردونه هناك.
الحركات الدينية من اغلب المذاهب ، كانت تركن للمراقبة عن بعد ، ولا تريد ان تقحم نفسها في المعركة ، لاسباب كثيرة ، ربما بعضها اصولي ، او مصلحي ، او عدم الرغبة بالتصادم مع الحكومات ، او بسب عدم الانسجام ، والاقتناع بطريقة الاداء ، والتعاطي مع الاحداث.
لجأ بعضها الى اظهار كراهيته للولايات المتحدة ، وهو يرى ازدواجية المعايير ، في التعاطي مع القضية الفلسطينية ، وهذا الدعم الموصول والقوي لاسرائيل ، حتى وهي تقصف وتدمر القرى الفلسطينية ، وخاصة ما جرى في العام الماضي في قطاع غزة.
ما يهمّنا هنا في الاردن الرسمي ، انه كان مضطرا للجنوح لاتفاقية السلام مع اسرائيل ، ولم يدر الاردن ظهره للعرب ، كما يدعي البعض ، ويعتبرونه عذرا لهم اوحجة واهية ، بل ان الفلسطينيين سبقوه الى اوسلو ، ووقعوا اتفاقيتهم.
وبرغم وجود تلك الاتفاقية ، الا انها لم تخلق أي دفء في العلاقات مع الكيان الاسرائيلي ، بل تحمّل الاردن الكثير من التبعات ، واصر على القيام بدوره الريادي ، سواء ما يتعلق بالاقصى وبيت المقدس والدور الهاشمي هناك. او ما يتعلق بدعم الاخوة الفلسطينيين ، بكل الوسائل خاصة في غزة ، حيث يتواصل الدعم بجميع اشكاله ، الى يومنا هذا ، ولم يخل تصريح للملك عبدالله ، او خطاب لا يذكر فيه القضية الفلسطينية ، وضرورة دعمها بكل الامكانات رغم التحديات.
اقول ذلك ، لان البعض من المغالين في رأيهم ، اتهموا الاردن بالارتماء في احضان امريكا ، وهذا اجحاف كبير ، فالاردن ظلم كثيرا ، وتحمل وحيدا ، وقاوم المشروع في كل الاوقات وحيدا ولا يزال.
ولم يكن تنظيم القاعدة ، وهو يستهدف الاردن اكثر من مرة ، ويعترف انه وراء تفجيرات عمان ، ومحاولات اخرى فشل بعضها ، ولم ينجح البعض مصيبا ، او على حق ، لان الاردن بلد عربي ، وشعبه مسلم ، واستغرب لماذا لم توجه تلك الضربات الى اسرائيل؟ ومصالح امريكا ، في الكثير من الدول ، على سبيل المثال.
ثم من هي الدول ، التي لا تقيم علاقات وطيدة مع امريكا؟ فالمصلحة العليا للبلاد ، أي بلاد ، تقتضي مثل تلك المعاهدات ، علما بان عمان ، من اكثر العواصم العربية التي تقدم النصح لواشنطن ، بل واكثرها نقدا لسياساتها ، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
اليوم جاء الرد الحاسم الحازم ، والمبني على الدين والعقل والمنطق ، والمرتكز على ما احلّ الله ورسوله وحرّما ، حيث اصدر مركز الامام الالباني في عمان ، بيانه على لسان ثلة خيّرة من علمائه ، الذين نكنّ لهم الاحترام والتقدير ، ذلك البيان الجامع المحدد والواضح .
بنود البيان واضحة لا تحتمل أي لبس ، فالقتل بدون ذنب محرّم ، والتكفير لا يجوز ، وايذاء الذميين غير المسلمين في ديار العرب والمسلمين خط احمر ، واعتداء على شريعة الله ، لانهم مسالمون لا يحملون السلاح في وجه ابناء الامة.
الاعمال الانتحارية حرام ، ففيها ازهاق لارواح بريئة ، وقتل للانفس التي حرم الله الا بالحق ، كما ان التفجيرات الارهابية بانواعها ، والتي تأتي على غفلة ، لارهاب الناس ، محرمة بالقطع ، فاحسنت الحركة السلفية خيرا في بيانها.
بل ان المركز اضاف امرا في غاية الاهمية ، وهو الاشارة الى ان المظاهرات والمسيرات في الشوارع ، انما هي بدع محدثة ، وباب من ابواب الفتن والشرور والفوضى ، واضعاف لسلطان ولي الامر.
ان الحكومة بكافة اجهزتها ، وخاصة وسائل الاعلام ، مطالبة ان تلتقط هذا البيان ، وتركز عليه كثيرا ، وتستشهد به ، فهو صادر عن علماء متفقهون في الدين ، ام الائمة والخطباء في مساجدنا ، فعليهم واجب التذكير بقيمة الامن الاجتماعي والسلم ، خاصة في خطب الجمعة ، التي يحضرها نفر كبير من الناس ، وان يذكـّروا بهذا البيان وغيره ، وبذلك نعرّي القاعدة وارهابها ، ونضعها في حجر الزاوية.
انني وانا اقرأ البيان ، المرتكز على الكتاب والسنة ، ومصلحة المجتمع ، فاني اشكر العلماء الاجلاء الذين صاغوه ، واخرجوه للناس بهذه الطريقة ، وفي هذا التوقيت الهام والحساس ، ولو ان لي عتب بسيط عليهم ، بانه جاء متأخرا ، فقد انتظرناه طويلا ، ولكن وكما يقول المثل ، ان تأتي متأخرا ، خير من ان لا تأتي.
HOYANM@YAHOO.COM