غرق عمان في عيون "فيسبوكية"

كنت في الدوحة حين غرقت عمان ومدن أردنية أخرى من جراء الأمطار، كنت أرى المشهد المضحك المبكي من خلال عيون الناس، وعيونهم أصبحت اليوم هي الفيسبوك، والتويتر، واليوتيوب، والانستجرام.
كنت بين المصدق والمكذب لما أراه، هل يعقل أن الشتاء أصبح متوحشاً فاتكاً في عمان، أم أن الناس تغيروا وما عاد يطربهم سوى التذمر، والنوح، والبكاء؟
هل تغيرت عمان التي نعرفها بنضارتها، وجمالها، وألقها، وكانت مضرب المثل بخدماتها وبنيتها التحتية، هل أصبح كل هذا الصيت والتراث بأننا من المدن الأنظف والأجمل أثراً بعد عين، والصورة التي شكلناها لعمان كانت من الوهم وقصورا على رمل البحر ذوت مع أول موج، حين أصبح الفضاء مفتوحاً للناس ليروي كل واحد منهم الحقيقة كما يراها؟!
على شبكات التواصل الاجتماعي كانت عمان تغرق، وكان الناس يحولون سياراتهم الى زوارق بحرية، ويصطحبون معهم ملابس الغوص، ويصطادون السمك.
وأيضاً كان المسؤولون عرضة للتندر والسخرية، ويغطون في نوم عميق، وتستخدم كل أسلحة النقد المشروع وغير المشروع في الهجوم على المسؤولين باعتبارهم مقصرين ويجب مساءلتهم.
لم تعد ذاكرة الأردنيين مثقوبة، ذكروا عمدة عمان عقل بلتاجي بـ "القشاطة" وسألوا أين هي، عمدوا الى المقاربة بين الحسم في قرار إخلاء بسطات سوق العبدلي، والتخاذل في القيام بواجبهم عندما تقطعت السبل بالناس، حين غرقت بيوتهم، وتوقفوا لساعات طويلة بعد أن أغلقت الأنفاق والشوارع من "أول شتوة"؟!
الأمر المؤكد أن عمان تغيرت، والناس تغيروا أيضاً، وطرق البوح والتعبير شهدت انقلاباً.
قبل أكثر من 20 عاماً كانت عمان مدينة نموذجية بالنظافة وخدمات البنية التحتية، وكان كل من يزورها يحسد سكانها على هويتها وجمالها ولا يصدق أننا لسنا دولة بترولية، ولكن الحال لا يدوم، إذا لم نتعامل مع المستجدات ونتهيأ لها، "فعمان توسعت عشوائياً في السنوات الماضية ولم تنمُ مما شكل ضغطاً هائلاً على البنية التحتية التي لم تعد قادرة على الاستيعاب نتيجة للكثافة السكانية والعمرانية"، هذا ما يعترف ويقر به عقل بلتاجي بعد كارثة الأمطار.
هذا صحيح، فهذا التوسع السكاني والعمراني حدث وبالملايين خلال سنوات محدودة، ولنتذكر عودة الأردنيين بمئات الألوف من الكويت، وبعدها لجوء عراقي بالملايين، ثم لجوء سوري أيضاً بالملايين، دونما تطوير حقيقي وتأهيل للبنية التحتية، فماذا نتوقع النتيجة؟
كل الأسباب التي تقال عن المشكلة صحيحة، بدءا من كمية الهطول المطري الهائلة، مروراً بمشكلات ربط مياه الأمطار على شبكات الصرف الصحي، وعدم مواءمة العبّارات وسعة خطوط التصريف التي تنشئها أمانة عمان مع الاحتياجات، ولكن الحقيقة أن وضع حلول لكل ذلك وحده لا يكفي، فنحن نحتاج أكثر من مليار دينار لتوفير وتطوير البنية التحتية، وإلا فإن الأزمة ستتفاقم ولن تجد حلاً.
جلد أمين عمان لن يحل المشكلة، فمدينة جدة التي تنفق بها المليارات غرقت في شتاء أقل مما هطل بعمان، ونفس الأمر حدث في دبي والشارقة، ووجود "إدارة أزمات" فاعلة وفرق طوارئ عند الأنفاق يقلل من مخاطر المشكلة، ولن يقضي عليها.
دعونا نعيد ترتيب أولويات الإنفاق سواء من المنحة الخليجية أو من الموازنة أو أي مصادر أخرى، فمثلما أصبح النقل العام أولوية بعد أن فشلت كل الحلول الأخرى، يجب أن يصبح هاجسنا كذلك تحديث وتطوير البنية التحتية وبشكل عاجل وسريع. لن يفلت أمين عمان أو أي مسؤول في الدولة الأردنية من النقد والتندر بعد اليوم، "فعمان زمان" لم تعد، و"ناس زمان" الذين لم يكن يسمع صوتهم تمردوا، وأصبح "ناس اليوم" يحتلون الفضاء وصوتهم هو الأعلى سواء كانوا على حق، أو تنمروا على الدولة، أو أصبح النقد والسخرية حرفة بعد أن تهاوى الإعلام الرسمي.
الغد 2014-11-09