"الحيط الواطي" و"الدبلوماسية الهادئة"!
تنكأ وفاة الأكاديمي الأردني الدكتور محمد أمين النمرات، الذي توفي في أحد سجون المملكة العربية السعودية، جراحا نود أن ندملها، ولكن الوقائع المتدحرجة تأبى إلا أن تلقي بنا في حقل كثيف من الشوك، فنروح نتقلب على أجنابنا ونتداول أسئلة تقفز إلى أذهاننا بمحض البداهة، وتتصل بالكيفية التي تتعامل فيها حكومتنا مع الإنسان الأردني في الخارج سواء أكان طليقا، أم سجينا مكبلا بالأصفاد.
ولأن الأسئلة تجر أخرى، نتذكر كيف أننا أناس شديدو الوداعة مع الآخرين، وكرماء وأصحاب نخوة، ونحافظ على الود والجيرة، وإلا كيف لنا أن نتخيل أن مواطنا من أهل بلدنا يموت في معتقل، ولا تصدر الحكومة بيانا، شديد اللهجة قليلا!!، لطمأنة الرأي العام أننا "لن نسكت" عن هذه الحادثة، ولسوف ندعو الشقيقة العزيزة إلى فتح تحقيق في هذه المأساة، إن أردنا أن نصنف ما حدث بأنه مأساة حقيقية.
ولا بد والحالة هذه أن نتساءل: لو أن الأمر مقلوب، أي لو أن الحادثة جرت لمعتقل سعودي في الأردن، فهل يكون الرد هو نفسه؟
ومع التساؤل، لا بد أن نتذكر كيف أعدنا قبل فترة زورقا إسرائيليا تجاوز الحدود الإقليمية الأردنية، إلى بلاده سالما، من دون أن نحقق، مجرد تحقيق في هذا الخطأ العابر، حيث لا نعتقد أبدا أن إسرائيل ستوفر زورقا أردنيا لو أنه تخطى شبرا في مياهها الإقليمية التي هي مياهنا ومياه أجدادنا التي أورثتنا إياها الجغرافيا، وصادق على ذلك التاريخ.
ما علينا..
دعونا نكتفي بالتذكر والتساؤل والاستفسار الذي يدمي القلب عن أحقيتنا في ممارسة السيادة بأشكالها كافة حتى أكثرها عنجهية، ونقول إن لا معنى سوى الاستهتار لسلوك الحكومة العراقية التي زارها وفد برئاسة رئيس الوزراء السابق وعدد من الوزراء الصيف الماضي، على أمل أن تعود الطائرة الأردنية وعلى متنها ولو معتقل أردني واحد، ولكن أمانينا بددتها عاصفة الخيبة.
نكرم لسوانا، ولكن سوانا لا يكرم لنا. وأخشى أن في قاع عقل سوانا انطباعا بأن "حيطنا واطي"، وبالتالي يكون لسان حالهم: لن نفرج عن أي معتقل، وأعلى ما في خيلكم اركبوه. وأعتقد أن إسرائيل تتعامل معنا بهذه الطريقة، وإلا ما معنى أن نبرم معها معاهدة سلام، ولا "نمون" عليها أن تطلق سراح معتقلينا. فما هي الميزة الاستثنائية التي توفرت لنا من خلال هذه المعاهدة البائسة؟
نكرم لسوانا، ونحافظ على حبل الود معهم كيما يظل موصولا، لذا طلبنا إلغاء تسمية شارع باسم صدام حسين في الكرك، لأن الرئيس العراقي الراحل يذكر أشقاءنا الكويتيين بالاجتياح الكريه لبلادهم.
جيد أن نكرم للآخرين. وجيد أن نحافظ على علاقة جيرة دافئة مع سورية، ولكن من دون أن يكون هذا الدفء مترافقا مع وجود معتقلين أردنيين في دمشق وجوارها.
نفسي أن تقوم الدنيا ولا تقعد لأن أردنيا يئن في بلاد الغربة، فما بالكم بمعتقل يموت؟
أدرك أن لبلادنا مصالح "استراتيجية" مع البلدان التي ذكرت. ولكن أليست كرامة الأردني، في الداخل والخارج، مصلحة استراتيجية؟
يا الله كم ترعبني فكرة "الحيط الواطي".. تماما كما ترعبني "الدبلوماسية الهادئة" التي لا تجعلها تخرج عن هدوئها إلا شاحنات تعبر الحدود معبأة بمواطنين خنقتهم قفازات الحرير الأخوي!