كرم نتنياهو مع الأردن
لا تتوقف حرب "التسريبات الإعلامية" من الإسرائيليين، وليس أولها ولا آخرها ما أوردته الإذاعة الإسرائيلية عن زيارة مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي لشؤون ما يسمى "الأمن القومي" عوزي أراد الأردن سراً، ونقلت الإذاعة عن مصدر إعلامي أميركي قوله إن المسؤول الأمني الإسرائيلي التقى خلال زيارته الأردن بعدد من كبار المسؤولين الأردنيين، وفي مقدمتهم وزير الخارجية ناصر جودة ورئيس الديوان الملكي.
وذكر المصدر ذاته أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حمَّل أراد رسالة مفادها "استعداد اسرائيل لمنح الاردن دورا أمنيا فعالاً في الضفة الغربية". كما أكدت الرسالة أن نتنياهو "معني باستئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين على الفور، كما أنه مستعد لمناقشة القضايا الجوهرية بما فيها القدس والحدود واللاجئون"، بحسب ما نُشر.
واوضح المصدر أن التسريب احترافي على الطريقة الإسرائيلية، فهو مبني على وقائع حصلت ومعلومات صحيحة بالمجمل، التحريف والغرض يذوبان في هذه الخلطة، وإبراءً للذمة يعلَق الخبر في رقبة مصدر إعلامي أميركي! فالزيارة بحسب ما أوضح لي مصدر رسمي رفيع المستوى حصلت، لكن توقيتها ليس بحسب ما أوردت الإذاعة خلال الشهر الحالي، وإنما في "العام الماضي"، وصحيح أيضا تناول موضوع الشروع في مفاوضات الحل النهائي، لكن مع تكملة لا يقبل بها نتنياهو علانية وهي "وفق المرجعيات المعتمدة وعلى رأسها مبادرة السلام العربية ووفق سياق إقليمي"، فهو لا يقر بما دون مبادرة السلام العربية ويعتمد لعبة تسابق المسارات، وأكثر من ذلك هو لا يفصل بين المسار السوري والمسار الفلسطيني بل يفصل بين غزة والضفة.
اللغم المخفي في التسريب هو استعداد إسرائيل لـ"منح الأردن دورا أمنيا فعالا في الضفة الغربية"، فالمنحة التي يتفضل بها نتنياهو لا يطلبها الأردن ولا يحتاجها والأهم وبحسب المسؤول نفسه، فإن "الدور الأمني أو غيره لم يطرح في الزيارة، وغير مقبول طرحه، ودور الأردن الوحيد هو مساعدة الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني".
منحة نتنياهو تعني أن يقوم الأردن بدور شرطي الاحتلال، وهو الدور الذي جربته الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحت إمرة الجنرال دايتون، أي احتلال الضفة من دون كلفة، وتزامن الدور الممنوح مع إعلان نتنياهو نيته الاحتفاظ بمناطق في الضفة إلى الأبد، ولم يوضح إن كانت مسؤولية حمايتها ستمنح للأردن!
لا يتذاكى نتنياهو على الأردن بقدر ما يتغابى، فهو ليس سياسيا بلا ملامح ولا رؤية، كغيره من السياسيين في دولة الاحتلال لهم أدبيات منشورة معلنة وخبرة مشاهدة، لم يغادر نتنياهو "مكان تحت الشمس" إلى اليوم، وما يزال وفيا لأفكار كتابه التي لا يرى فيها الأردن غير دولة فلسطينية. وبنظره فالأردنيون والفلسطينيون ليسوا بشرا كسائر البشر لهم مكانهم الطبيعي تحت الشمس، هم مجرد عبء سكاني يفيض وينقص بحسب الحاجة الإسرائيلية.
لقد قاتل الأردنيون في الضفة الغربية وسالت دماؤهم عليها، وهم فخورون بهذا الدور، وعلى الرغم من معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية فإن أكثريتهم تتطلع إلى يوم يكون لها فيه "دور فعال" في تحرير الأقصى والأرض السليبة، لا تقديم خدمات أمنية للمحتلين.
تلقى الأردنيون منحة نتنياهو في ولايته الأولى عندما أرسل رجال الموساد مزودين بالسلاح المحرم إلى عمان لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، والله يستر من منح مقبلة!