نقل غير لائق..!

تم نشره الخميس 13 تشرين الثّاني / نوفمبر 2014 02:17 صباحاً
نقل غير لائق..!
علاء الدين ابو زينة

قبل عشرة أعوام تقريباً، كنا نسمع شيئاً عن "القطار الخفيف" في الأخبار، بشكل شبه يومي. والمقصود مشروع سككي كان سيربط عمان بالزرقاء، ليحل مشكلة النقل بكلفة قليلة وبطريقة أرتب. وقبل أيام، سألت الزميل الذي كان يتابع المشروع في تلك الأيام، على سبيل المزاح: "شو أخبار القطار الخفيف؟". ضحك وضحكتُ. كان هذا كل الجواب. وفي عشر سنوات، تغير زميلي وتغيرت أنا بالتأكيد. "هرمنا"، على رأي التونسي الشهير، ولم يأت ذلك القطار، ولا الحافلات سريعة التردد، ولا أي تحسن في النقل العام.
الآن، ما يزال الناس يشقون لشراء سيارة خاصة هرباً من استخدام وسائل النقل العام. وبالإضافة إلى الأعباء المادية التي تترتب على شراء سيارة وتدبر مصاريفها، والضغط الذي تشكله كثرة السيارات على معروض الوقود، هناك زيادة احتمالات الحوادث، والازدحامات المرورية وتعطيل الأعمال. الناس معذورون، لأن المواصلات العامة لا يمكن التعويل عليها في ادخار الوقت والجهد، وتعمل على عواهنها وأنت وحظك. وأتذكر جملة لقريب جاء من أميركا لزيارة البلد بعد غيبة؛ إذ قال لي: "ذهبت وأتيت وما يزال الناس واقفين ينتظرون الباص!".
النقل اللائق، يعني وجود خطوط لحافلات -إذا لم يكن "مترو" أو قطارات خفيفة- ينبغي أن تكون متشابهة ومحترمة المظهر، تسير فقط في مسرب مخصص لها على يمين الطريق؛ تتوقف في محطات لائقة معلومة في أوقات معلومة، وتغادر في أوقات معلومة. فهل تحقيق ذلك مستحيل إلى هذا الحد؟ لو حدثت تلك "اللحظة التاريخية"، فإننا سنتخلص من ظاهرة "الكوسترات" التي تتسابق في شوارعنا وتحتل ثلاثة أرباع الطريق، وترتكب كل أنواع المخالفات من أجل المنافسة. سوف يعرف المواطن متى يخرج من بيته؛ أين يقف؛ أي حافلة يستقل ومتى ستأتي، ومتى سيصل بالضبط إلى وجهته. والأهمّ من ذلك كله؛ لن يعود من الضروري أن يقتني كل فرد سيارة خاصة، أو أنه سيستغني في كثير من الأحيان عن الخروج ليغامر بها في سيل السير المتلاطم الفالت من أي عقال. سوف يقل استهلاك الوقود المكلف؛ سوف تقل الخسائر اليومية في الأرواح بسبب حوادث السير، أو "مشاجرات السير"؛ وسيتحرر المصابون بخوف الطريق من أحد أسباب القلق، ويستخدمون المواصلات العامة المريحة التي توصلهم إلى وجهاتهم بضغط أقل.
سوف يتطلب ذلك التخلص من نظام ملكية وسائل النقل من قبل أفراد يعمل كل منهم على هواه، ويضغط على سوّاقيه ليجلبوا له أكبر غلة ممكنة. ربما يندمجون في شركات كبيرة لها نظام وسياق. وسيتطلب أيضاً إدارة مركزية حضارية للشبكة، تشرف على سير مركبات النقل العام وهيأتها وأدائها، من دون الحاجة إلى سواقي سباق ينتهكون كل قانون ويقفون في منتصف الطريق لخطف راكب. وسوف تتكفل الآليات الصحيحة بإدامة نفسها، بحيث تصبح "نظاماً" مستقراً نعتاده مثل كل مدن العالم المتحضرة. وما ذلك على الله ببعيد!
لأن الشيء بالشيء يُذكر، يفكر المرء بالعلاقة الاشتقاقية والعملية الوثيقة بين مفردتي "النقل" و"الانتقال". وقد ارتبطت لفظة "الانتقال" أخيراً بمدلول مخصوص بالغ الأهمية: أصبحت تشير إلى مرحلة تنتقل فيها المجتمعات العربية بعد ثورات 2011 نحو الحرية والديمقراطية والتحديث. وبغض النظر عن أين "انتقلت" بعض الدول، وإلى أين انتقل الكثيرون من مواطنينا العرب، في الأرض أو السماء، فإنهم يصفون بلدنا بأنه ما يزال يعيش انتقالاً سلمياً محموداً نحو الغايات المذكورة. ولجدلية العلاقة بين "النقل و"الانتقال"، فإننا لا نتمنى أن يكون "الانتقال" بالمعنى الأخير محكوماً بنفس كيفيات "النقل" الموصوفة.
النقل العام، أو الانتقال العام، هي أشياء ترتبها المؤسسة، بحيث تكون لائقة أو غير لائقة. ويحق افتراض أن المؤسسة القادرة على توفير نقل عام لائق (مرتبط حتماً بالتطور في كل القطاعات)، ستكون مؤهلة بحكم منظومة العقل المرتبة ورغبة التحديث، لإحداث الانتقال التقدمي في شؤون السياسة والمجتمع. سيكون الصعب تصور نظام نقل سيئ أو خدمات سيئة في بلد ديمقراطي مريح لمواطنيه. والتحديث ليس شأناً متصلاً بالفقر، بقدر ما يتعلق بعقلية إدارة الموارد في اتجاه التحديث! أما الذي لا يستطيع أن يوفر لك تنقلك اليومي بيسر وأمان، فربما لن "ينتقل" بك إلى أي مكان.

الغد 2014-11-13



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات