إضاءات حول استخدامات القرض في الاقتصاد والمجتمع

1. القرض من أدوات التكافل الاجتماعي، ويصنف فقهًا ضمن عقود الارتفاق والتبرعات، ويتمتع بقدرات لا محدودة في تلبية احتياجات لا تنسجم في طبيعتها مع آليات الاسترباح بصفة عامة كالبيوع والشركات والإجارات، أو مع آليات التصدق الأخرى كالصدقات التطوعية والواجبة كالنذور والكفارات. ويتضمن هذا المقال إضاءات حول استخدامات القرض في المجتمع والاقتصاد والبنوك الإسلامية.
2. إن فكرة تخصيص مبلغ معين لسد الاحتياجات الطارئة للأفراد والمؤسسات في المجتمع لفترات قصيرة (سنة- 3سنوات)، أو قصيرة جدًا (أقل من سنة) وفي بعض الحالات متوسطة (3- 5 سنوات)، يعود إلى نوعين من الحوافز؛ الحافز الأول: حوافز تطوعية بحتة وهي الرغبة في التصدق وتزكية الأغنياء لأموالهم من خلال تنفيس الكربات، وسد الضوائق التي يتعرض لها أبناء العائلة أو الحي، أو المجتمع بصفة عامة.
3. وجود صناديق للقرض الحسن على أي مستوى في المجتمع كمستوى العائلة أو الحي، أو الدولة قد يكون يصل إلى حد الضرورة الخاصة أو الحاجة العامة، ويلبي احتياجات طارئة تقصر عنها القدرات المادية المنتظمة للمحتاج، وتأنف سجيته السوية عن قبول الصدقات والهبات، لأنه يمتلك الإمكانيات الذاتية والعملية للعمل والإنتاج وتحصيل العوائد. وتعد هذه الصناديق أبرز منارات التكافل المجتمعي، والتي تدرك أهميتها الفطر السليمة، والمجتمعات السوية. وقد يكون القرض الأداة الأكثر ملاءمة لتحويل شرائح المجتمع غير المنتجة إلى شرائح منتجة من خلال توفير أدوات الحرفة والمهنة عن طريق القرض لأجل قصير أو متوسط.
4. يفضل القرض في كثير من حالات التكافل المجتمعي على الصدقة لأنه يعزز ديمومة المعروف وتدويره على شرائح وأجيال متعاقبة، وهو من هذه الناحية يشبه الأموال الموقوفة لهذه الأغراض، وإن لم يأخذ اسم الوقف. فالعمل الجاد في تفعيل صيغة القرض في المجتمع بدءا من التصرفات الفردية وانتهاء بالصناديق السياسية للقرض الحسن وهو ما قننته ليبيا، هو من زاوية أخرى تدعيم لفكرة وقف النقود، ولا بأس بتعزيز تطبيقات القرض المشروع بكل الوسائل الممكنة ودعمها من خلال تقبل الصدقات لتكون ضمن الوعاء المعد للقرض.
5. أما الحافز الثاني فهو حافز تعاوني مشوب بحافز تطوعي وتجاري في الوقت نفسه، وهو احتياج المؤسسات بصفة عامة للسيولة لفترات قصيرة جدًا وربما تصل إلى ليلة واحدة، أو بضعة أيام، وتفرضها طبيعة العمل الإنتاجي والاستثماري والتجاري، فضلاً عن طبيعة العمل المصرفي، وهو العنوان المعروف بإدارة السيولة أو إدارة الأصول والخصوم.
6. فعندما تحدث فجوة السيولة لدى بعض المؤسسات في المجتمع هناك مؤسسات تتمتع بفائض سيولة، لكن في الحالين الفترة قصيرة جدًا ولا تنم عن عجز حقيقي أو فائض يسمح بتحويله إلى الاستثمارات والتمويلات متوسطة وطويلة الأجل. وهنا يأتي الحل الأنسب للتعامل مع هذه المعضلة بجانبيها من خلال تفعيل صيغة القرض، وتشكيل ناد للمقرضين والمقترضين، وتسميته بنادي السيولة، على مستوى غرف التجارة في داخل الدولة، أو مستوى إقليمي أو دولي لصالح أي نوع من الصناعات، وتكون نقطة التركيز فيه على القرض قصير الأجل جدًا بأسس شرعية عملية داعمة لهذا المقترح.
7. قد تكون فكرة القروض المتبادلة بين البنوك الإسلامية للآجال المتوسطة، أو ما يسمى بالإسلامك سواب للآجال القصيرة جدًا يصب في هذا الاتجاه، وهو القرض؛ إلا أنه واجه انتقادات شرعية حادة، على أساس كل قرض جر نفعًا مشروطًا فهو ربا، أو فهو حرام، وكان تمرير هذه التطبيقات شرعًا من باب الحاجة أو غياب البديل الملائم، ويعود السبب إلى أن الأمر ما زال بين طرفين ولم يعمم أو ينظم كأداة على مستوى الصناعة. ويرى هذا المقال أن الأنسب للتعامل مع فجوة السيولة واستثمار فائض السيولة هو القرض وهو أفضل من أي صيغة أخرى، ولا بأس بتنظيمه على مستوى الصناعة وتفعيله كأداة هامة لإدارة السيولة.
8. فاستخدام القرض في مثل هذه الحالات يكون على سجيته، أما اللجوء إلى الأدوات الربحية من بيوع وإجارات ومشاركات فإنه لا يمكن دون تكّلف؛ لأنه يستخدام تلك الصيغ التجارية المختلفة كجسر عبور شرعي فقط لأغراض غير التي وضعت لها. ومن ثم رأينا أنه عندما تم استدعاؤها لتلعب دورها كأداة لإدارة السيولة تمت إعادة هيكلتها والتحكم بعوائدها لتكون أشبه بالقرض بفائدة منها بالبيع، أو الإجارة، أو المشاركة. كما آل الأمر إلى انتشار صيغ التورق المنظم والعينة والتركيز على بيع وشراء السلع الدولية كأساس لتطبيقات إدارة السيولة بأي صيغة شرعية كانت، وهذا سبب انتقادًا للبنوك الإسلامية بصفة خاصة.
9. من المهم جدًا في المالية الإسلامية أن نكتشف القدرات الكامنة في أي صيغة واستخدامها في تلبية الاحتياجات التي تتلاءم معها، وأي تحوير يوقعنا في إخراج الصيغة عن حقيقتها حتى لا يكون لها من الحقيقة إلا الاسم، فهي بيع أو إجارة أو مشاركة اسمًا بينهما هي في الحقيقة والشكل قرض بفائدة. بل إن بعض التطبيقات لبطاقات الائتمان استخدمت القرض بدون فائدة لكن حصلت الفائدة تحت مسمى آخر هو رسوم مرتفعة للإصدار، أو لأجرة السحب النقدي، ونحو ذلك من الرسوم المصاحبة التي لا يخفى على المستخدم بأنها شكل من الفائدة باسم آخر.
10. إن القرض المشروع هو ما كان بدون فائدة، لكن استخداماته في صلب العملية التجارية والإنتاجية والاستثمارية ضرورة تجارية وعملية يدركها أهلها، وتفعيله يصب في مصلحة التعاون وتحقيق الأغراض الربحية دون الخروج به عن طبيعته وسجيته التي خلقه الله عليها، لأنه يسد حاجة طارئة ومؤقتة لا يصلح غيره لتلبيتها.
السبيل 2014-11-13