ميتشل هل يرفع الراية البيضاء؟

تم نشره الخميس 28 كانون الثّاني / يناير 2010 09:16 صباحاً
ميتشل هل يرفع الراية البيضاء؟
محمود الحويان

كان الله في عون هذا الرجل ، الذي كُلـّف بمهمة ، يعرف من كلـّفه بها ، انها مستحيلة ، فما عليه الا ان يدور ويدور ، في حلقة مفرغة ، ثم يعود الى نقطة البداية من جديد ، والغريب في الامر ، تلك الابتسامة التي لازمت وجهه في كل لقاءاته وتجواله.

جاء السيد جورج ميتشل ، والتقي بنتنياهو ، الذي يصرّ على هز ذراعه عدة مرات ، حتى لتكاد تقول في نفسك ، كان الله بعونك يا جورج ، لقد خلعوا يدك من معصمها ، وما ان تصوّرهم الكاميرات ، حتى يدلفون الى غرفة مغلقة ، هناك من يتولى الحديث ، وهناك من يستمع ، ومن يملي ومن ومن؟ .

ثم يخرج ، لا يعرف لًمَ دخل ، ولا ماذا سمع ، وماذا قيل له ، ترى هل احتسى كأسا من الشاي ؟او فنجانا من القهوة ، ام ان الرجل صار معزبا ، وبالتالي انتهت الضيافة؟ بالمناسبة المسؤولون الاسرائيليون ، لا يحسبون حسابا للرجل ، ولا لمن يرسله ، وبالتالي لا بأس من ان يخصصوا له في كل اسبوع ، ربع ساعة ، يستمتع فيها بالحديث معهم.

ترى هل تحدث هذه المرة عن الطقس؟ وهذا الصقيع الذي نخرعظام سكان المنطقة العربية ، وجمّد الدماء في عروقهم ؟ ام هل قيل له لن نملّ نحن حتى تملّ انت ، فيرد عليهم ، يا ليت الامر بيدي ، انه اوباما .

جورج ميشيل ساعي البريد ، وحامل الرسائل الشفهية ، التي لا نرى من بقاياها الا الابتسامات ، واستغرب لماذا ، ولمن؟ ونتيجة أي انجاز تراه يبتسم؟ ثم يخرج من عندهم ، وهو يعرف انه لا يحمل في جيبه ، الا منديلا يمسح به انفه ، من شدة البرد.

وما هي الا ساعات ، حتى يصل الى (شق) السيد عباس ، في مقاطعته العتيدة في رام الله ، وحوله رجال امنه ، بزيهم الرسمي ، ومسدساتهم تظهر اطرافها ، وهم يهمّون بفتح باب سيارته ، ويطلب من عريقات ، ان ينظر الى الكاميرات ويبتسم ، وكأني به يقول (كليكيت مش اخر مرّة ) محاكاة لمخرجي الافلام.

بالمناسبة ، عريقات ايضا يتقن التلويح للكاميرا ، في كل مرة ، ويرافق الصديق ميتشيل ، الى مضافة العم عباس ، ويتكرر السلام ، والايماءات ، التي لا تنبئ عن شيء ، بل مزيد من التلكؤ والغثيان ، وكأننا نشاهد حلقة من (بيتون بليس).

لحظات ، ويخرج المسكين ، ويركب سيارته مودعا بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم ، ( اليست هذه ديباجة اخبار العرب في كل محطاتهم؟) ويصرّ صاحبنا عريقات ، ان يقترب من الصحافة ، ليرتـّل علينا كلمات ، لا توصل الى شيء ، بل تفسير الماء بالماء.

اوباما بالمناسبة ، لا تعيره اسرائيل بالا ، ولا تحسب له أي حساب ، وتذكروا معي تلك الخطب الرنانة في القاهرة ، وعلى مسرح جامعتها العتيدة ، واصراره على حل الدولتين ، وانتقاله الى انقرة ، وتصميمه على الحل العادل والسريع ، للقضية الفلسطينية.

لكنه وبعد عودته الى واشنطن ، يعرّج على مبنى (الايباك) ليقول لاعضائه ، فعلت هذا من اجل مصلحة اسرائيل ، ورب اسرائيل ، الم يقلها بوش الاب ، عندما غزا العراق ، بانه يحارب من اجل الرب؟ ام ان ذاكرتنا العربية ، لا تحفظ الا مكونات صحن الحمص؟.

امريكا الجديدة ، بعهدها ورئيسها الجديد ، تعيش مرحلة انتظار حتى الصيف ، وهي انما تناور في اليمن ، وعينها على ايران ، واسرائيل تتململ وعينها على عباءة نصر الله في الضاحية الجنوبية .

وبنفس الوقت ، فالاستيطان مستمر ، وعملية البناء على قدم وساق ، وهناك تخطيط لنتنياهو ، لاستقدام حوالي مليون يهودي من العالم ، والاتيان بهم الى فلسطين ، وقد اعلنها على الملأ ، وشرح خطته كاملة لميتشيل.

اذن هذه الرحلات المكوكية العقيمة ، التي لا تحمل الا معنى واحدا ، هو عجز الادارة الامريكية منذ عقود ، عن الوصول الى حل عادل للقضية ، يعيد الحقوق لاصحابها ، ويجبر اسرائيل على الالتزام بالقرارات الاممية الكثيرة ، الصادرة بحقها ، والتي تغص بها ادراج مجلس الامن الدولي ، والامم المتحدة.

اما نحن العرب جميعا ، فمبادراتنا لا تعني اسرائيل في شيء على الاطلاق ، فهي تعرف ان التزامنا بالسلام ، لاننا لا نملك خيارا او بديلا ، بينما هي تملك الارض ، والقوة ، ولا يهمها ان حظيت بالسلام منا ام لا ، فلديها جيش قوي ، وتعرف ان العربان ليسوا اهل حرب.

اما تلك العجوز الغبراء ، التي شاخت وشبعت هرما ، واعني بها جامعة الدول العربية ، فلم يبق منها فوق ذلك المبنى الايل للسقوط ، سوى قطعة قماش ، تحمل الوانا باهته ، تدل على بقايا لهيكل عظمي.

المنطقة العربية ، مقبلة على مزيد من الضياع ، والتشرذم والتفكك ، والمشاكل الداخلية ، لكل دولة عربية ، تلهيها شيئا فشيئا ، عن القضية الاساس ، بل وتعطل التنمية فيها ، ولم نستطع ان ننجز ، سوى ناطحات غبار ، ننصبها ، حتى اذا سقطت على الارض ، كسرت اعناق من بنوها.

والافة الاهم هي الفساد ، الذي ينخر في حكوماتنا العربية ، فحدث ولا حرج ، فهو الخبز اليومي للناس ، في حياتهم اليومية ، فالقليل القليل من قضاياه تنشر في الصفحات الاولى للجرايد ، بينما يخرج الفاسدون الكبار ، من الابواب الخلفية للمحاكم ، بل ويأخذون قسطا من الرفاهية ، يستمتعون بما جمعوا من مال حرام على ضفاف الشواطئ وفي افخم الفنادق.

وللاسف الشديد فالاكثرية من الشعوب العربية ، ترزح وتلهث خلف الفتات ، لتطعم ابناءها بقايا خبز قديم ، او ربما ما يبقى من موائد الاغنياء ، فلم تعد هناك طبقات وسطى ، بل ان الحاصل هو اغلبية عظمى جائعة ، وملايين من البشر ، ستكون يوما من الايام ، قنابل موقوتة في احضان الحكومات.

كلما أرى السيد ميتشل ، يسلـّم ويودّع ، ويجتمع ويغادر ، ثم يعود مرة اخرى ، اتذكر تلك الاغنية القديمة (بابوري رايح رايح بابوري جاي) لكن الفارق الوحيد هنا ان البابور في الاغنية ، محمّل سكر وشاي ، بينما ميتشيل المسكين ، جيوبه فارغة ، وحتى اوراقه بيضاء ، بل انه لا يحمل اوراقا ، ولا اقلاما ، ولا اعتقد انها تلزمه في شيء.



HOYANM@YAHOO.COM



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات