الفرق بين غرب وشرق

في الغرب شعوب حرّة يدور في فلكها حكامها، وفي الشرق حواشٍ وتوابع ورعايا تدور في فلك أولياء نعمتها وأسيادها.
هناك شعوب شبّت عن الطوق منذ قرون وتجاوزت مرحلة الوصاية سواء من قبل الحكام المستبدّين أو طبقة رجال الدين. وأصبحت الشعوب اللاّعب الرئيس في الميدان، لا تعلوها سلطة ولا تدين لجهة ولا تحتكم إلاّ لصناديق انتخابات شفّافة وحقيقية. تقوم بدورها باختيار من يخدمونها في مختلف المجالات وعلى كافة المستويات. وبهذا يكون الشعب هو وحده صاحب الجلالة والحاكم بأمره وصاحب الصولة والجولة، يعيّن من يشاء ويثبِّت من يشاء كيف شاء ومتى شاء، ولا معقّب لحكمه ولا رادّ لقراره وكل السلطات تهابه وتخشاه وتحرص على طاعته وكسب رضاه.
بهذه الروح والثقافة والممارسة احتلّ الغرب موقع القيادة لكوكب الأرض ونال درجة الامتياز في الفاعلية والإنجاز على كل صعيد وفي كل مجال.
بمعادلة بسيطة؛ إن الشعب هو السيد والحكّام خدم له والقانون سيّد الموقف يقف أمامه الجميع على قدم المساواة دون استثناء لأحد.
وفي المقابل صورة منكوسة الرأس لأحوال شرقنا، شعوب مغيّبة ومدجّنة، تعيش عبر عقود ثقافة عصور أوروبا الوسطى المظلمة، ثقافة الراعي والرعية والمالك والمملوك والسيد المطاع والعبيد الطائعين، فالحكام أولياء النّعمة وأصحاب الفضل، يعيش المواطنون على ما يجودون به عليهم باعتبارها واحدة من مكارمهم.
لا دخل للشعوب في اختيار مَن يحكمها، والحكام أكبر من أن يخضعوا لاختيار العبيد لهم، والعبيد أحقر من أن يتطاولوا على أسيادهم. وبهذه الحالة ضمن الغرب تحقيق هدفين؛ ضمان أمن الكيان المزمع إنشاؤه في القلب من هذا الإقليم وسلامته وامتداده، وضمان تدفّق ما تنعم به هذا البلدان من ثروات إلى بنوك الغرب ومصارفه واستثماراته.
وإذا ما لاحت فرصة سانحة في الشرق على حين غفلة ممّن يعنيهم الأمر وجاد بها القدر، واقتربت بعض شعوبنا من الوصول إلى صناديق انتخابات تضاهي ما عند الغرب وأفرزت مَن يمثلونهم بحق وينطقون باسمهم وهمومهم وقضاياهم وأشواقهم بصدق، وحتماً ستكون النتيجة على غير ما يشتهي ولاة الأمر وأسيادهم، فسرعان ما تهيأ الأجواء للانقلاب على الشرعية وعلى نتائج صناديق الانتخاب وعلى إرادة الشعوب الحقيقية فيتم الإيعاز للقوة الضامنة للأسر الحاكمة للقيام بدورها ووظيفتها التي أُنشئت من اجلها وعقيدتها التي تربّت عليها، فتتحرك من ثكناتها حاملة مختلف أسلحتها من أبسطها إلى أعقدها، للجم الشعب وتأديبه وإيقاع أقسى العقوبات البدنية والنفسيّة إلى حدّ سلب حياته وكل معاني العزة والكرامة والإنسانية لديه لتطاوله على أسياده ومحاولة تغيير قواعد اللعبة التي حكمت حياته عبر عقود من الزمن. ولكن هل تستجيب هذه الشعوب لهذه الممارسات بعد أن ذاقت حلاوة جزء يسير من الحرية، إن الواقع يشي بغير ذلك، فهناك على الأرض أشكال من المبادرات والمحاولات للخروج من نفق العبوديّة إلى أفق الكرامة والحريّة، لكنها تحتاج إلى العديد من السنوات والمزيد من التضحيات.
السبيل 2014-11-19