خيارات عالقة

سارت الأحداث والتطورات في الاتجاه المعاكس تماماً للتوقعات الأردنية الرسمية؛ إذ كان المسؤولون هنا يشعرون بتحقيق إنجاز دبلوماسي وسياسي في الفترة الماضية، بعد الاجتماع الثلاثي في عمان، بين الملك ووزير الخارجية الأميركي وبنيامين نتنياهو الذي تعهّد باحترام الوصاية الهاشمية على المقدسات في مدينة القدس، وبعدم السعي إلى تغيير الوضع الراهن!
القرار الأردني غير المعلن هو انتظار الجمعة المقبلة، ومراقبة السلوك الإسرائيلي. وفي حال لم تكن هناك انتهاكات أو اعتداءات، فستتم إعادة السفير إلى تل أبيب في غضون الأيام المقبلة. إلاّ أنّ انفجار الأوضاع في القدس سيجعل مثل هذا القرار خارج السياق تماماً، وسيأتي بمردود سلبي معاكس للترحيب والتأييد الشعبيين لقرار الحكومة باستدعاء السفير مؤخراً!
في المقابل، فإنّ بقاء السفير في عمّان، وفقاً لمسؤولين أردنيين، سيُضعف أوراق الضغط الأردنية على الجانب الإسرائيلي، وسيعطي مزيداً من قوة الدفع للمستوطنين واليمين الديني المتطرف في إسرائيل، للقيام بانتهاكات أخرى أكبر بلا حسيب أو رقيب؛ كما سيحجّم إمكانية الضغط الدبلوماسي على إسرائيل، وقد يتم استغلال هذه "الفجوة" لتغيير الوقائع على الأرض.
هذا الهاجس لا يخفيه مسؤولون أردنيون رفيعون؛ إذ يرون أنّ "مشكلة العرب هي أنّهم يفضّلون المقاطعة والانسحاب على المواجهة عادةً، ما يخدم الطرف الآخر في نهاية اليوم". فمن السهل أن تغضب وتحرد، لكن المواجهة الدبلوماسية، واستمرار الضغط، واستخدام الأدوات القانونية، ذات مردود أفضل وأكثر نجاعة في التعامل مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، بخاصة في ظل حالة الفراغ السياسي العربي السافرة!
يضيف مسؤولون أردنيون بأنّ هناك لامبالاة عربية تجاه الأوضاع في القدس، ما يضعف الموقف الأردني تماماً للقيام بمهمته الرمزية والأدبية والسياسية في حماية الأوضاع القائمة وعدم المساس بها. وربما ذلك ما دفع الملك إلى الاتصال بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عند الاجتماع ببنيامين نتنياهو وجون كيري، لوضعه في صورة التطورات الأخيرة، وفي ذلك إشارة للإسرائيليين بوجود اهتمام عربي ومتابعة لما يجري في القدس، بالرغم من أنّ الحقيقة المرّة هي على النقيض من ذلك، وتتمثّل في عدم وجود أي اكتراث عربي حقيقي بما يحدث في القدس والحرم القدسي.
عند هذه اللحظة، تبدو الخيارات الأردنية "عالقة" بين اعتبارات ومصالح متضاربة بشأن الموقف مما يحدث في القدس والمسجد الأقصى، بخاصة أن الأمور تجاوزت المقدسات إلى اندلاع أحداث دموية في أنحاء مختلفة من القدس، ما يهدّد بنسف الاستقرار الأهلي والمجتمعي في المدينة بأسرها، بعدما قام الشباب الغاضبون بالانتقام لإعدام الشاب الفلسطيني والاستفزاز اليومي من قبل اليمين الإسرائيلي، بما يشبه "انتفاضة السكاكين والفؤوس". وربما تتطوّر وتتدحرج الأحداث نحو مواجهات على نطاق أوسع من القدس.
ثمّة صعوبة في توقّع مسار التطورات المقبلة، وهناك حالة من الغموض تستدعي التريّث في إعادة السفير الأردني، إلى أن تنجلي الأمور وتتوضح المعطيات على أرض الواقع؛ إذ إنّ الخسائر الرمزية والمعنوية والسياسية التي من الممكن أن تلحق بصورة الأردن عموماً، أكبر بكثير من أي مكاسب أو اعتبارات واقعية يسردها المسؤولون الأردنيون.
صحيح أنّ الواجب الأردني السياسي والأدبي الرئيس، يتمحور حول حماية المقدسات الإسلامية، والعمل على فرملة المشروع الإسرائيلي لتغيير الوضع القائم في القدس، إلاّ أنّنا لا نستطيع أن نفصل ما يحدث في القدس عموماً عن ذلك؛ ففي النهاية المسألة برمتها مرتبطة بالأمن الوطني الأردني، وباعتبارات داخلية وسياسية ورمزية.
(الغد 2014-11-20)