عن الحنين، والمناسبات كثيرة!

في أعماق كل منا «حنين» يبدو أنه «ما بعرف لمين»..
هذا الحنين، هو رفض للواقع، وشغف في اللامكان!
في مقولة الحنين المتكررة والمتجذرة في الوجدان العربي عموما، والفلسطيني خصوصا، صيحة محمود درويش: أحن إلى خبز أمي، قصتها كما يقول درويش كالتالي: عندما كنت في السجن زارتني أمي وهي تحمل الفواكه والقهوة . ولا أنسى حزنها عندما صادر السجان إبريق القهوة وسكبه على الأرض، ولا أنسى دموعها . لذلك كتبت لها اعترافا شخصيا في زنزانتي، على علبة سجائر، أقول فيه : أحنُ إلى خبز أمي .. وقهوة أمي .. ولمسة أمي .. وتكبر فيَ الطفولة .. يوما على صدر أمي .. وأعشق عمري لأني .. إذا مت .. أخجل من دمع أمي . وكنت أظن أن هذا اعتذار شخصي من طفل إلى أمه، ولم أعرف أن هذا الكلام سيتحول إلى أغنية يغنيها ملايين الأطفال العرب !
والحقيقة ان هذه الأغنية، غدت أيقونة للحنين، وثيمة ملتصقة به، وكلما عنّ الحنين على أحد، انطلقت على لسانه، طبعا لكل منا حنينه، ومن الحنين الذي يسكن الوجدان، الحنين إلى أيام الطفولة، والشباب، خاصة حينما يشتعل الرأس شيبا، والحنين إلى الوطن، وفيه شعر كثير، وأقسى انواع الحنين غلى الوطن، حينما يهيج هذا الحنين، وأنت داخل الوطن نفسه، حين تشعر بالاغتراب عنه!
في مسألة الحنين أيضا، ذلك الشعور الذي يداهمك فجأة، مع مسحة حزن، تتغلغل في مسامات الروح، حينما تهب من بئر الذاكرة، نفحة لموقف ما طالما أوقفك على رؤوس أصابعك، تشعر حينها برغبة جامحة في معانقة ذاتك، وأن تلتف عليها، حينها تشعر بوحدة لا مثيل لها، ولا ينفعك آنذاك إلا حضن كحضن أمك، كطفل ساهم فاجأه نباح كلب في ليل عاصف!
من الصعب أن يعترف بعض «الكبار» بهذا الشعور، خاصة أولئك الذين يتخصصون في ظلم الناس، والتفنن في صناعة النكد، ونثره على رؤوسهم، كما ينثر طاه ماهر البهارات على طبق ساخن، هؤلاء تشعر أنه قلوبهم قُدّت من نعال الأحذية، لا الصخر!
هؤلاء، الذين لا يعرفون طعم الحنين، والشوق للحظة هدوء وتأمل بين أيدي السكينة، هم أنفسهم من يبنون «مجدهم» المزعوم على أشلاء الآخرين، وهم جزء من منظومة الاستبداد، التي لا بد أن يدوسها الأحرار المظلومون ذات يوم، ولو بدا أنهم مخلدون في أبراجهم المقامة على جثث من أفراح البسطاء!
نصيحة أخيرة في الحنين إلى الذات:
تلك القشعريرة التي تسري في الروح قبل الجسد، لا يمكن أن تكون خديعة، اتبع حدسك، نداءك الداخلي، وامض ولو إلى «حتفك»!
الدستور 2014-11-23