استقلال بلا رأس ودولة بلا رئيس!

احب لبنان الذي في خاطري، لذلك قررت ان ابعث برقية تهنئة بعيد الاستقلال الذي حل وهل في 22 من الشهر الحالي اي قبل يومين. ولكنني اكتشفت ان الاستقلال حل على اللبنانيين في وقت أمضى لبنان فيه 181 يوما بلا رئيس جمهورية، وهي سابقة تحدث لاول مرة في تاريخه. كما اكتشفت ان الاستقلال بلا رأس، ايضا لأول مرة في التاريخ. لذلك قررت ان اوجه رسالة تهنئة للشعب اللبناني الصامد الصابر على المصاب الجلل، وتحمل من المعاني اكثر من الرسالة التي بعث بها الرئيس الاميركي اوباما، واخص بهذه الرسالة المقاومة اللبنانية، التي تقف في مواجهة كل الضغوط الداخلية والخارجية في هذه المرحلة الصعبة، التي اصبح فيها دعوة القوات الاجنبية الى حياتنا وبلادنا عادة وتقليد.
بعد 71 عاما من الاستقلال، وبعد هذا العمر من الميثاق اللبناني يعود اللبنانيون ولبنان الى المربع الاول للبحث عن رئيس يحقق الاستقلال الجديد، لأن لبنان في هذه المرحلة يستنسخ ماضيه ولكن بصورة اصعب وحال اسوأ، لكثرة القوى الطامعة التي تعبث بشأنه الداخلي وامنه وحياته السياسية، وتضع العراقيل امام الشعب اللبناني لمنعه من اعادة صياغة مستقبله بوسائله الديمقراطية المعتادة، وللاسف يتحقق ذلك الهدف بادوات لبنانية وباجندات خارجية.
عندما كان لبنان يغرق في دوامة الاشتباك الداخلي، ولأكثر من مرة في تاريخه الحديث، كنا نكتشف، بلا عناء، ان ما يحدث في الساحة الداخلية اللبنانية هو نتاج تدخلات خارجية عربية وغربية، فلبنان يتأثر أكثر مما يؤثر بمحيطه، ولكن رغم ذلك كان اللبنانيون يحافظون على ميثاق العيش والمصلحة والمصير ويعودون الى حياتهم المدنية الغنية بالحضارة والثقافة والازدهار، على قاعدة الحرية والديمقراطية، وهي النعمة التي كانت مفقودة، ولا تزال، في معظم الاقطار العربية.
وبحضور ذكرى الاستقلال، نجد ان لبنان يعبر اخطر مراحله التاريخية المفصلية، ولا نخص هنا شموله بالاطماع الاسرائيلية التوسعية فحسب، ولا مخاطر مشروع تصفية القضية الفلسطينية ايضا، بل نخشى على لبنان، بلد التعددية الطائفية والعرقية والتنوع السياسي والثقافي، من مشروع اعادة تقسيم المنطقة على قاعدة طائفية وعرقية.
المعادلة التي كانت تقول ان لبنان اصغر من ان يقسم واصعب من ان يحتوى اراها قد سقطت في لهيب الاحداث المشتعلة من حوله، والتي وصلت الى اطرافه، وهي حروب مصطنعة مفتعلة مخطط لها من اجل بقاء وديمومة اسرائيل وسط محيط من الدويلات العرقية والطائفية، تحت عنوان الشرق الاوسط الجديد.
فالكيان الاسرائيلي الصهيوني الذي تحول بمجمله الى الصهيونية الدينية، بسقوط وفشل الصهيونية العالمية التي تحركت وراء قناع العلمانية الاشتراكية، هذا الكيان ما زال يعاني من ازمة وجودية رغم تسلحة بقوة الخرافة والبندقية. فمنذ العام 1948ما زالت اسرائيل تخرج من حرب لتدخل اخرى، في سلسلة من الحروب المتناسلة التي تعيدها الى البدايات. والسبب ان اسرائيل لا تريد السلام ولا تريد الحلول العادلة لقضية الشعب الفلسطيني، لأن قادة الصهيونية ما زالوا يعتنقون عقيدة القلعة والعيش بعزلة داخل «الغيتو اليهودي».
وامام هذا المشهد المتسارع على اللبنانيين، وكل امراء الحرب والطوائف وقادة الاحزاب في لبنان فهم واستيعاب ما يخطط للبنان والمنطقة كافة، والاستعداد بوعي مسؤول لمواجهة الاحداث التي تتحقق فصولها بقرار غربي وبتنفيذ محلي وعربي واقليمي.
الراي 2014-11-24