الاستثناء التونسي

تم نشره الإثنين 24 تشرين الثّاني / نوفمبر 2014 02:40 صباحاً
الاستثناء التونسي
د. باسم الطويسي

أنجز التونسيون الشوط الأكبر في مسيرتهم نحو تدشين ديمقراطيتهم الجديدة؛ بعد إنجاز انتخابات برلمانية ناجحة، وانتخابات رئاسية تعددية من المفترض أن نتائجها ستعلن خلال الساعات المقبلة. إذ أظهرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة حالة من التوافق الوطني؛ السياسي والاجتماعي، على الديمقراطية كأداة لإدارة شؤون الناس والبلاد، كما ظهر ذلك في قبول جميع الفرقاء بالنتائج التي جاءت بها الصناديق.
صحيح أن السنين التونسية الأربع الأخيرة لم تكن ورودا وياسمين؛ بل شهدت دماء ولحظات احتقان عاصفة، كادت أن تودي بأحلام الثورة وأشواقها. لكن النضوج الثقافي والسياسي الذي أبداه المجتمع التونسي، انحاز في معظم تلك اللحظات العاصفة إلى خيار الدولة المدنية، والديمقراطية، وحق الجميع في ممارسة السياسة ضمن هذه الحدود.
وهنا يبرز الفرق بين الخميرة التونسية الناجزة، وبين التجارب غير الناضجة التي ذهبت نحو مصائر معتمة؛ كما هي حال معظم مجتمعات التحولات العربية. ما يطرح السؤال: لماذا تونس؟ هل يعود ذلك إلى اتصالها المباشر مع الغرب الديمقراطي؟ أم أنه جاء بفعل إنجازات التنمية البشرية، وعلى رأسها ما حققه هذا المجتمع في مجال التعليم وحقوق المرأة؟
المفاجأة تكررت مرتين. الأولى، حينما دفعت تونس كثيرين إلى التلفت حولهم؛ فقد كانت المرة الأولى التي يفعلها الشارع العربي بالإطاحة بدكتاتور من دون أن يأتي حلم الديمقراطية على دبابات الغزاة، أو عبر صناديق اقتراع يهيمن عليها الإسلاميون. والمرة الثانية هذه الأيام، ونحن نشاهد الديمقراطية التونسية تصمد وسط اقتتال القبائل العربية المجاورة وتناحرها.
في باقي تجارب التحولات العربية القاسية، وفي ضوء الأحداث المتسارعة، لم يعد معنى التغيير كما كان يدركه الناس، ولم يعد هناك أي معقول يركن إليه الناس أيضا؛ فكل شيء وارد، وكل احتمال قابل لأن يتحول إلى واقعة في اليوم التالي! فيما ثمة استعصاء عجيب يلح باستمرار الماضي الذي يخرج من كل مكان، ونجده في كل التفاصيل، حتى بات الناس يتلمسون رؤوسهم خشية من الجنون. كما ينتشر ضعف اليقين في كل التفاصيل، وتتراجع الثقة ويتضاءل رأس المال الاجتماعي، وسط حالات من الانفعال والحدة التي تسم الأفعال وردود الأفعال.
أزمة الخوف المتبادل بين تعبيرات الدولة الدينية والدولة المدنية، والتي عبرت عنها سلسلة الانتخابات العربية والاستفتاءات في واحدة من أوضح صورها خلال هذه التحولات، تزيد من حالة الاستعصاء والاكتئاب. إذ نجد خوفا متبادلا من الإقصاء؛ باستخدام الأصول الثقافية والدينية مرة، والعمق المجتمعي مرة أخرى، مع تبادل أشكال العنف المادي والعنف المعنوي معاً. ما يجعل الناس يخشون على رؤوسهم بالفعل، قبل أن يخشوا على سلامة ما في داخل هذه الرؤوس.
الياسمين التونسي محاصر من الداخل، ومن الإقليم والعالم. ولعل هذه الحالة تجعلنا نقف عند لحظة يمكن أن تدفعنا إلى إعادة النظر في كل ما رددناه خلال العقود الأخيرة حول آليات التحول الديمقراطي في المجتمعات العربية، ومن يقف خلفها ومن يعيقها.

الغد 2014-11-24



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات