الاعتقال هو الحل

شهد الأردن في الآونة الأخيرة حملة اعتقالات واسعة، شملت قرابة عشرين شخصاً، جلهم من التيار الإسلامي، بينهم القياديان في الحركة الإسلامية: الأستاذ زكي بني ارشيد نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين والدكتور محمد سعيد بكر، العالم في الشريعة الإسلامية عضو مجلس الشورى في الجماعة، بالإضافة إلى العشرات من شباب الحراك الشعبي الذين ما زالت قضاياهم منظورة أمام محكمة أمن الدولة.
والتهم الموجهة للمعتقلين تتراوح ما بين العمل على تعكير صفو العلاقات مع دولة شقيقة، ومحاولة تقويض النظام، وحيازة مواد تدخل في صناعة بعض المتفجرات، وليس بخافٍ على أحد كيف تكيف التهم أثناء فترة التحقيق الأمني؟ وكيف توضع الاعترافات على ألسنة بعض المتهمين؟ فما الذي يريده الذين يستهدفون الإسلاميين في هذه المرحلة؟ ولمصلحة من تم الاعتقال؟ وهل تسهم هذه الاعتقالات في تعزيز الأمن الوطني في وسط إقليم ملتهب مفتوح على كل الاحتمالات؟ وهل تعزز اللحمة الوطنية التي نحن أحوج ما نكون إليها؟ وهل تؤمن لنا الاستقرار اللازم لإيجاد بيئة استثمارية تسهم في الحد من الضائقة الاقتصادية التي يمر بها بلدنا؟ وهل يتفق ذلك مع التوجهات العالمية لتعزيز الديمقراطية وصون حقوق الإنسان بما فيها حق التعبير؟ هذه الأسئلة وكثير غيرها تحتاج إلى إجابات بروح المسؤولية قبل اتخاذ القرار باستهداف حركة راشدة لم تخرج يوماً من خندق الوطن، ولم تفرط بالحقوق الوطنية، ومن بدهيات القول إن العلاقات بين الدول تقوم على قاعدة الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، فإذا كان أصحاب القرار يستشعرون خطورة انتقاد سياسة دولة ما كدولة الامارات، فلا يجوز أن يغيب عن بالهم مدى حاجة دولة الإمارات للكفاءات الأردنية المتميزة العاملة فيها، وليس من مصلحة دولة الامارات اتخاذ اجراءات عقابية جماعية بسبب تغريدة على موقع الكتروني، أو مقالة صحفية تنتقد بعض قراراتها، آخذين بعين الاعتبار ما قاله إمام دار الهجرة الإمام مالك: (كل مخلوق يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم)، فسياسات الدول وقراراتها اجتهادات بشرية، ولم يسلم الأردن والأردنيون من انتقادات صادرة من أشخاص وهيئات خليجية وعربية ودولية، ولم يضق بها ذرعاً ولم يحملها ما لا تحتمل.
فتهمة تعكير صفو العلاقات، التي نص عليها قانون منع الإرهاب، وهو قانون خلافي، ووجه وما زال بانتقادات شديدة في مقدمتها عدم الدستورية، لا يجوز أن يُتخذ ذريعة للتضييق على الحريات العامة، وإلحاق الأذى بالمواطنين واستفزازهم في مرحلة لا تحتمل الاستفزاز، وأخشى ما يخشاه المرء أن يتم الاستناد إلى هذا القانون في تجريم إدانة جرائم العدو الصهيوني بحجة وجود معاهدة معه، أو انتقاد السياسات الأمريكية المنحازة للعدو الصهيوني تحت مسمى دولة صديقة، أو الاعتراض على سياسات دول عربية اغتالت الديمقراطية ومارست سياسات قمعية بحق شعوبها.
ويجدر بنا مراعاة أن الأردن ليس "الحيط الواطي" الذي يتطاول عليه المتطاولون، أو يبتزه المبتزون، وفي تاريخ الأردن محطات رفض فيها الاستجابة لضغوط إقليمية ودولية ظلت موضع اعتزازنا وتقديرنا.
أما تهمة تقويض النظام التي أصبحت حاضرة في مرحلة الانقلاب على الربيع العربي فإنها تلحق أفدح الضرر بالنظام وبالوطن، فالنظام الأردني أقوى وأمنع من أن تقوضه تغريدة عبر موقع الكتروني أو كلمة تقال في مسيرة أو مهرجان، فالنظام يتقوى ويتعزز بمقدار ما يمثل من عقيدة الامة ومصالحها، وبمقدار ما يوفر لشعبه من حرية وكرامة ومشاركة في اتخاذ القرار.
وأما تهمة اقتناء مواد يمكن أن تستخدم في صنع المتفجرات -مع عدم التسليم بصحة الاتهام حتى تثبت صحته- فإن كل ذي لب وذاكرة واعية يدرك أن الحركة الإسلامية في الأردن ظلت على الدوام تشكل أحد أهم صمامات الامان والحفاظ على المصالح الوطنية، فلم يجرب عليها يوماً محاولة انقلاب، أو ارتباط بسفارة أجنبية، أو جهة خارجية، بل ظلت حماية الوطن والإرتقاء به في مقدمة أولوياتها، انطلاقاً من إيمانها الراسخ بأن حب الوطن وصون استقلاله وتعزيز أمنه من أوجب واجبات المسلم.
بقي أن نقول: إن أوضاع البلد الداخلية، والتحديات الخارجية تفرض علينا جميعاً شعباً وحكومة ونظاماً التحلي بأكبر قدر من الصبر والحكمة والكياسة والاستيعاب، لنعبر هذه المرحلة بسلام، وليس مثل الحوار وتجلية المواقف والوصول إلى توافقات سبيلاً لتعزيز أمننا واستقرارنا وتوحيد مواقفنا، استناداً إلى ثوابتنا الدينية والوطنية.
السبيل 2014-11-24