حتى لا تنحرف بوصلة الحقوق الفلسطينية بسبب فك الارتباط
تعلن منظمة هيومن رايتس ووتش غدا تقريرها المعنون "بلا جنسية من جديد، الأردنيون من أصل فلسطيني المحرومون من الجنسية". ومثل تقارير سابقة سواء للمنظمة نفسها أو لجان الحريات في النقابات أو تقارير الخارجية الأميركية ستثير انقساما حادا بين من يرحب بشدة بالتقرير باعتباره سعيا مشكورا من منظمة ذات حضور دولي لإنصاف فئة انتهكت حقوقها الدستورية وبين من يرى فيه حلقة في سلسلة تستهدف تحقيق الحلم الصهيوني بتصدير العبء الديموغرافي إلى الأردن.
يسهل اتهام المنظمة بأنها تنفذ مؤامرة صهيونية، ويمكن طردها من البلاد، لكن هذا غير ممكن مع السفارة الأميركية التي تصدر تقارير سنوية لا تقل شدة عنها، وغير ممكن مع نشطاء حقوق الإنسان الأردنيين الذين يؤمنون بما يفعلون سواء اتفقت رؤيتهم مع الخط الرسمي أم اختلفت.
لا تحل قضية بهذه الحساسية والخطورة بعقلية الفزعة وإطلاق النار بكل الاتجاهات. علينا أن نحمّل الاحتلال الصهيوني مسؤوليته التاريخية في مأساة اللاجئين الفلسطينيين عام 48 ومأساة النازحين عام 67، وهو ما أوجد إشكاليات تتعلق بالهوية والمواطنة. غير أن جريمة الاحتلال وما تفرع عنها لا تعفي من الأخطاء السياسية والقانونية التي وقعت فيها الحكومات ناهيك عن أخطاء الموظفين وتعسفهم. من مصلحة الصهاينة وأعوانهم أن يصنعوا من مسألة البطاقات وسحب الجنسيات قضية تشبه قضية الأقباط في مصر أو دارفور في السودان. والرد على المشاريع الصهيونية يكون بمزيد من الإنصاف والعدالة والنزاهة والشفافية. فكل القضية بحسب أرقام وزاة الداخلية من عام 2004 إلى عام 2008 تمس 2700 حالة، ولو أن حالة واحدة منها تعرضت لظلم فإننا أمام مشكلة كبيرة، فسحب الجنسية أو تصويب الأوضاع، سمه ما شئت، يمس حقوق الإنسان في الرعاية الصحية والتملك والسفر والدراسة في الجامعات والمدارس. من حق المواطن أن يعرف ما هي تعليمات فك الارتباط. فلا يعقل أن يتمتع كبار مسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية وأبناؤهم بالجنسية ويحرم منها موظف صغير عمل في مؤسسات المنظمة، في المقابل علينا أن نعرف من الذين تخلوا عن تصريح الاحتلال، هل كان ذلك بيعا لحقوقهم التاريخية على أرضهم أم نتيجة تعسف الاحتلال أم خطأ غير مقصود؟
نحتاج لجهد وطني تقوده وزارة الخارجية لاستعادة حقوق الأردنيين الذين فقدوا تصاريح الاحتلال، فلا تسمح معاهدة السلام أو أوسلو أو القانون الدولي باستبعادهم من سجل الأراضي المحتلة المدني سواء من كان مقيما لحظة الاحتلال أم غير مقيم هم ومن تناسل منهم. جهد رسمي ومدني يطاول المؤسسات الدولية ولا يتوقف عند المحاكم الدولية والإسرائيلية.
مثل كل القضايا ممكن أن يلتئم جرح بسيط على يد مساعد ممرض، وممكن أن يلتهب هذا الجرح ويتحول إلى غرغرينه وكارثة إن أهمل. إن قاضيا نزيها فقيها قادرا على النظر في قضايا الجنسية وقطع الطريق أمام من يريدون حرف بوصلة الحقوق الفلسطينية، في المقابل فإن موظفا متعسفا محدود الإمكانات يخدم أعداء الأردن الحقيقيين والمتوهمين. بقي القول إن 2700 لا يشكلون توازنا ديموغرافيا، اللعب في ورقة الديموغرافيا مجاله توزيع الدوائر الانتخابية. وفي حال العبث بتوزيع الدوائر بشكل يغاير وضعها الدستوري والحقوق المكتسبة يمكن القول إن ثمة مؤامرة.