"لا ، تسك، ما بيزبط"!
كان الإعلامي في شبكة (سي إن إن) فريد زكريا يصدر عن دهشة عارمة وهو يسأل جلالة الملك عبدالله الثاني في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس، أول من أمس، عن كيفية تمكّن الأردن من تحقيق إنجازات اقتصادية لافتة على مدى السنوات العشر الماضية رغم شح موارده.
الملك أجاب بحكمته المعهودة، وبعبارات مكثفة بالغة الدلالة "المهم هو أن لا تقبل (لا) كجواب، حيث إن هناك فئات تقول دائما:(لا ، تسك، ما بيزبط)".
"تسك" تعبير صوتي عن الرفض أكثر من كونها كلمة. ويتأتى هذا التعبير من صوت يصدره سقف اللسان لدى ملامسته أعلى الحلق.
أما دلالة التعبير الذي اختاره جلالة الملك، فتكمن في أن هؤلاء الذين يرفضون الدفع نحو تحقيق الأهداف والأحلام، وبلورة التصورات الإيجابية، يختارون حركة صوتية لكي ينأوا بأنفسهم عن العمل والدخول في مضمار التحدي.
فهؤلاء الكسالى، خائرو الهمة، غير مستعدين حتى للتعبير بشكل لفظي عن رفضهم، وكأن مثل هذا التعبير يحتاج منهم إلى مجهود!. وفضلا عن تباطئهم، يحبطون التقدم إلى الأمام. لذا ما كان للأردن أن يجتاز التحديات ويروض المستحيل لو أنه ظل أسيرا لأتباع نظرية "تسك، ما بيزبط".
الملك الذي خاطب العالم في دافوس، وتمكن من أن يستضيف هذا المنتدى الاقتصادي العالمي في الأردن بشكل دوري، يدرك أن المرء إن غامر في شرف مروم، فلا ينبغي له أن يرضى بما دون النجوم، كما قال جدنا الشاعر المتنبي الذي اختار الأردن أحد مقاطعه الشعرية رمزا لمرحلة "على قدر أهل العزم".
ومن شأن الزعماء الكبار أن يشطبوا "لا ، تسك، ما بيزبط" من معجمهم، وأن يعقدوا الرهان على مقدرات شعوبهم وطاقاتهم الكامنة. لذا حينما سئل الملك في مقابلة "السي إن إن" التي ستبث الأحد المقبل عن المسيرة الإصلاحية في الأردن، قال "إنها شراكة بيني وبين الشعب، بهدف المضي قدما في تعزيز الديمقراطية".
وتذكّر الروحية التي يتحدث بها الملك بمقولة للرئيس الأميركي الأسبق ثيودور روزفلت "عليك أن تفعل الأشياء التي تعتقد أنه ليس باستطاعتك أن تفعلها"، أي عليك أن تهزم الـ "لا ، تسك، ما بيزبط"، وتستبدلها بـ"نعم، بتزبط، بالتأكيد"، لأن قدر الشعوب الجديرة بالحياة أن تجابه المشقات، وأن تتحمل الصعاب، وأن تترقب شمس الأمل، كما ترقبها اليابانيون بعدما ضربت القنبلة الذرية بلادهم، وكما ترقبها الألمان، وهم يحصون ضحاياهم، ويداوون جراح هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، وكما ترقبها الصينيون الذين صاغوا ملحمة البقاء والتحديث التي تؤهلهم (رغم أنهم يصنفون ضمن البلدان النامية) لأن يكونوا القوة الاقتصادية الأولى في العالم بعد زهاء ثلاثين عاما.
الأردن الآن، وهو يدخل العشرية الثانية من حكم عبدالله الثاني، يراهن على الأفكار المغامرة التي تنتجها المخيلات العظيمة والنفوس الكبيرة، لذا ستكون الانتخابات البرلمانية محطة أساسية في المسيرة الديمقراطية، وستكون الملفات الاقتصادية، وبخاصة المشاريع الاستراتيجية منها، قنطرة مهمة لنقل الأردن على المدى البعيد نسبيا، من مربع البلد التابع والمستهلك اقتصاديا إلى فضاء البلد الشريك والمنتج، والذي يستقطب الاستثمارات، ويوفر مناخات الأمن والطمأنينة والتشريعات الحضارية التي تعكس أنموذجا أردنيا يكون القدوة والُمحتذى في المنطقة برمتها.
ويحضرني قول للقس الأسود البارز وداعية السلام الأميركي جيسي جاكسون " لقد أزلنا سقف أحلامنا، لا توجد أحلام مستحيلة"، ولطالما داعبت روحي عبارته هذه، لأنني أؤمن دائما بأن كل الأحلام، مهما بدت صعبة التحقق، بمقدورها، إن توفرت الإرادة الجادة، أن تصبح وقائع نلمسها بالعين والقلب والمخيلة، لذا لا مطرح لـ"لا ، تسك، ما بيزبط" في كتاب الذين يريدون بناء المستقبل وتأثيثه بالعزم والإنجاز.