مناسبات تشرين الفلسطينية
تحفل روزنامة الشعب الفلسطيني بسجل زاخر من الآلام والعذابات ، فلا يخلو شهر من ذكرى أليمة ،وخلال تشرين الثاني–نوفمبر ،هناك مناسبتان تتعلقان بالقضية الفلسطينية،الأولى التي يمكن وصفها بجذر المأساة ، وهي وعد بلفور المشؤوم ،وللتذكير فهو وعد منحت بموجبه بريطانيا لليهود «حق لا تملكه « في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين ، وصدر قبل 97 عاما في 2 نوفمبر 1917،وحمل اسم «بلفور» وزير خارجية بريطانيا ،الدولة الاستعمارية التي كانت تحتل فلسطين !
أما المناسبة الثانية التي تصادف ذكراها 67 هذه أيام ،وهي ذكرى إصدار الامم المتحدة قرار التقسيم رقم 181، بتاريخ 29 تشرين الثاني ،الذي أوصى بتقسيم فلسطين، الى دولتين عربية ويهودية،لكن الفلسطينيين والعرب رفضوا ذلك القرار ،واعتبر القبول به خيانة وجريمة وطنية عظمى،وبعد ذلك قامت العصابات الصهيونية، بارتكاب جرائم مروعة بحق الشعب الفلسطني وطرده من أرضه ،ووقعت في الأشهر التالية حرب 48 التي هزمت فيها الجيوش العربية ، حيث قامت دولة اسرائيل بتاريخ 15 أيار – مايو بدعم بريطاني،على مساحة أكبر من تلك التي تضمنها قرارالتقسيم ،واعترفت بها الأمم المتحدة،وسمي ذلك التاريخ بالنكبة، وكثيرون من لاجئي الجيل الاول للنكبة حملوا معهم مفاتيح منازلهم ،على أمل ان يعودوا قريبا ،لكن العودة طالت وباتت اليوم بعيدة المنال!
ويمكن إضافة مناسبة « تشرينية « ثالثة ،الى سجل الصراع العربي الاسرائيلي،وهي إقرار الحكومة الاسرائيلية يوم 23 تشرين الثاني 2014 مشروع قانون «يهودية الدولة» ،بما ينطوي عليه من خطر داهم وأبعاد عنصرية ،وإقصاء لأصحاب الأرض الأصليين وشطب لحق العودة ،وتهديد عرب 1948 بالطرد واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية ! وحتى لو لم يقره الكنيست «البرلمان» فان مجرد اعتماده من قبل الحكومة يؤكد النوايا الصهيونية ، ويبقى سيفا مسلطا على رقاب الشعب الفلسطني في أي وقت ،ويشكل قنبلة موقوتة لتفجير أي احتمال لحل سياسي للصراع !
كان قرار التقسيم من أكثر القضايا ،المثيرة للجدل على الساحتين الفلسطينية والعربية،وبعد مرور عقود من الزمن ثمة شعور عميق بالندم ،على رفض ذلك القرار،حيث أصبح اليوم أقصى مطلب للقيادة الفلسطينية والحكومات العربية المعنية ، التوصل الى ما يسمى «حل الدولتين»–اسرائيل وفلسطين،لكن دولة فلسطين المنشودة التي يفترض ان تقوم على حدود 1967 ، مساحتها تقل كثيرا عن تلك التي رسم حدودها قرار التقسيم ،بل وأكثر من ذلك فهي وفق السياسة الاسرائيلية ،دولة منزوعة السلاح والسيادة ومقطعة الاوصال ، وتضم مستعمرات يزيد عدد المستوطنين اليهود فيها عن 520 ألف مستوطن «أي حوالي 20 بالمئة» من سكان الضفة الغربية،فيما يلتهم جدار الفصل العنصري حوالي 13 بالمئة من مساحة الضفة ،فضلا عما تتعرض له مدينة القدس والمقدسات الاسلامية فيها ،من انتهاكات وعمليات تهويد متواصلة !
يعيش حوالي 11 ,7 مليون نسمة في فلسطين التاريخية «من البحر الى النهر» ،كما هو في نهاية عام 2011 ،والتي تبلغ مساحتها حوالي 27 ألف كم2، ويشكل اليهود ما نسبته 52% من مجموع السكان، ويستغلون أكثر من 85% من المساحة الكلية للأراضي. بينما تبلغ نسبة الفلسطينيين 48% من مجموع السكان ،ويستغلون أقل من 15% من مساحة الأرض، ما يعني ان الفرد الفلسطيني يتمتع بأقل من ربع المساحة التي يستحوذ عليها الفرد الاسرائيلي من الارض.
وفي ظل حالة انقسام داخلي وعجز اممي ،لم يستسلم الشعب الفلسطيني،وهو يخوض اليوم بصدور عارية معركة القدس ، التي تتعرض لأبشع هجمة بغرض تهويدها ، وهو حتى في مثل هذه الظروف لم يفقد الأمل ويتحدى العدو ، فليس هناك ما يخسره،وقد قدم خلال مسيرة الكفاح الوطني قوافل من الشهداء ، والجرحى والأسرى ، ومستعد لمواصلة الصمود والنضال الى أن يسترد حقوقه.
الرأي 2014-12-01