ابن دولة وابن عشيرة !
هنالك سلوكيات وممارسات يمارسها بعضنا ولو كان نفراً محدوداً جداً لكنها تترك انطباعات سلبية، بل إنها لدى بعض الناس قد تحسب على الدولة رغم أن الدولة لا علاقة لها بها.
أحياناً يكون التشاحن أو الصدام بين شخصين على قضية عادية، ولا يكون الأمر أكثر من هوشة بين جارين أو شخصين إختلفا على حادث سير أو أي شيء، وحين تتابع هذه الهوشة تسمع من أحدهم وربما من الاثنين صراخاً وتهديداً بأنه سيفعل ويفعل، ويرتبط التهديد بصراخ بأنه ابن دولة وأنه لا يحسب حساباً لأحد، وأنه أكبر من فلان وعلان ومن كل المواقع والمناصب، ومرة قد تسمع من ذات الشخص أو مثيله تهديداً بأنه ابن عشيرة أو عائلة، وأنه (لا يرى أحدا بعيونه)، وأنه سيفعل ويدمر ويقتل ويضرب...، إلى آخر هذه الشعارات المرتبطة بالهوشات والمناكفات التي لا ترتبط بقضايا هامة، وإنما غالباً ما تكون خلافات هامشية وبسيطة.
والحقيقة التي نعرفها جميعاً أن الدولة والعشيرة بريئة من كل سلوك سلبي، فنحن جميعاً أبناء عشائر وعائلات ونعلم أن العشائرية تعني التسامح والنخوة، وأن قيم العشيرة قائمة على إكرام الضيف، وغض البصر والنخوة، وأن (الشيخ) هو صاحب القلب الكبير والعقل الراجح، وأن إبن العشيرة الكريم الذي يعفو ويصفح ويغيث الملهوف، ويفتح بيته لصاحب الحاجة.
لم تكن العشيرة ولا العشائرية يوماً الا مصدراً للقيم الكريمة، وحتى الفخر والاعتزاز من إبن العشيرة بنفسه فهو فخر بالأفعال الحميدة والصيت الطيب، ولهذا نظلم العشيرة والعشائرية نحن أبناءها إذا قدمناها رمزاً للتهديد والوعيد بتجاوز الأعراف والقوانين، وكأن الآخرين عبيد أو بشر من الدرجة الرابعة.
أما الدولة وكلنا أبناؤها، فعنوانها القانون الذي يحفظ الحقوق ويبني الأمان، أما من يبرر تجاوزه للقانون أو إستقواءه على الناس بأنه إبن دولة، وكأن «الدولة» عصابة تعطي لمنتسبيها حقوقاً على حساب القانون أو حقوق الناس.
ندرك جيداً أن العشيرة والدولة ليستا مسؤولتين عن ممارسات هذا النفر القليل، لكن مجرد وجود طريقة التفكير والتعبير هذه تستحق العلاج.
الدولة والعشيرة قدمتا أجيالاً من الرجال ممن قدموا وضحوا وزرعوا قيماً كريمة وعظيمة، وهم الذين حملوا عبء بناء الدولة ومؤسساتها وصنعوا إنجازات نفتخر بها، ويفترض من كل حريص على العشيرة والدولة أن لا ينسب إليها إلا الخير والممارسة السوية والقيم الأصلية لأنهما لا يستحقان إلا هذا.
(أنا ابن عشيرة) مصدر فخر واعتزاز بهذه المؤسسة الاجتماعية الوطنية الراسخة التي هي أكبر ممن يعملون من خارجها لتشويهها لغايات سياسية، أو ممن يلحقون بها آثاراً سلبية دون قصد من بعض أبنائها.
(وأنا ابن دولة)، أي إبن الوطن الذي يزداد قوةً كلما إزدادت فيه القيم وهيبة القانون وليس غير ذلك.
الراي 2014-11-30