النظام العربي يرفض إصلاح نفسه ويختار الفوضى
كان يمكن لحركة التغيير في الوطن العربي التي بدأت مع سقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس أن تواصل حركتها التصاعدية في التغيير بشكل سلمي وديمقراطي عبر صناديق الاقتراع من أجل تداول السلطة، وعبر التشريعات والقوانين التي تضمن حرية التعبير وحقوق الإنسان، وبناء الدولة المدنية التي يحتكم جميع مواطنيها إلى القانون بالتساوي لتحصيل حقوقهم وأداء واجباتهم اتجاه الدولة.
وكان يمكن أن يمر قطار التغيير دون أن يسقط حوله آلاف الضحايا، أو أن تدمر بلاد بأكملها، ودون أن تدخل الدول في نفق مظلم من الفوضى والتطرف والكراهية والطائفية والعنصرية، وكان يمكن أن ينهض الاقتصاد الوطني والقومي للدول العربية إلى مستويات قياسية قد لا تقل، بعد سنوات قليلة ربما، عن الاقتصاديات الناشئة في الهند والبرازيل وماليزيا وسنغافورة. وكان يمكن أن تتحول بلادنا العربية إلى بيئة جاذبة للاستثمارات الخارجية، وأن نؤطر ونؤسس للشفافية ومحاربة الفساد والمحسوبية، ووقف الاعتداء على المال العام.
وكان يمكن أن يسهم العرب في النهضة العلمية في مجال التكنولوجيا والأقمار الصناعية والأبحاث المتخصصة في الطب والفيزياء والكيمياء والاقتصاد والصناعات الخفيفة والثقيلة. وكان يمكن لهم أن يكونوا نموذجا إنسانيا في الرقي والحضارة والتسامح، وفي إعطاء صورة نقية وحقيقة ومعاصرة للإسلام بدلا من الصورة النمطية الخادعة المزيفة التي انطبعت في ذهن جميع شعوب العالم عن المسلمين بوصفهم: «دمويين وإرهابيين وعنيفين وقتلة بدم بارد وقاطعي رؤؤس ومتاجرين بالسبايا والرقيق الأبيض».
وكان يمكن لهم أن يكشفوا للعالم دموية وإرهاب «إسرائيل» وأن يقفوا في وجه آلة الحرب الصهيونية التي استباحت الدم الفلسطيني، ودنست الحرمات والمقدسات، وسرقة الأراضي لإقامة مزيد من المستوطنات لاستيعاب مزيد من اللاجئين اليهود من شتى بقاع العالم، وأن يأتوا بالقتلة إلى المحاكم الدولية لينالوا عقابهم العادل بوصفهم مرتكبي جرائم حرب.
وكان يمكن لهم أن يقفوا في وجه الحركات المتطرفة التي سرقت وخطفت الإسلام الحقيقي، وحولته إلى آلة للموت والدمار والقتل العشوائي وبدم بارد، كان يمكن لهم أن يعروا ويكشفوا زيف وضحالة فكر وأخلاق أشخاص أخذوا صفة «علماء» فاستباحوا النص وأصدروا فتاوى ترقى أحيانا إلى مستوى الدعوة للقتل الجماعي والإبادة بحق فئة من أبناء المجتمع العربي، واغرقوا الإسلام في فتاوى جنسية وإباحية وتبريرية للقتل والاعتداء على حقوق الإنسان.
وكان يمكن للإنسان العربي أن يعيش في رفاهية وأمن وأمان، وأن تكفل له الدولة الحق في التعلم والصحة والعيش بكرامة وبممارسة حقه في التعبير عن آرائه، وفي أن يكون إنسانا كونيا تفتح أمامه مطارات العامل بدلا من أن يتحول إلى مشروع متهم أو مشتبه به، مطارد في كل مكان بوصفه مشروعا إرهابيا وانتحاريا وتفجيريا.
كان يمكن كل ذلك وأكثر، لكن النظام العربي القديم لم تكن لديه النية ليسمح بحدوث أي شي مما ذكر أعلاه ، أو أن يتنازل ويصلح من حاله فاختار الفوضى، على قاعدة شمشون «علي وعلى أعدائي يارب»!!
السبيل 2014-12-01