براءة مبارك والثورات المولودة ميتة
بعد صدور الحكم ببراءة الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك من تهمة إصداره أوامر بقتل المتظاهرين، تباكى كثيرون على الثورات العربية وما سُمي جزافاً بـ(الربيع العربي)، وتكلموا عن إجهاض مشروع النهضة العربي الذي كانوا يأملون بتحقيقه في الفترة الماضية، وكعادتنا فإننا لا نحاول الولوج عميقاً في التحليل ونكتفي بالمقولات العامة والشعارات الجاهزة، ولا نقوم بطرح الأسئلة الحقيقية والضرورية.
وسأغامر لأقول أن ما حدث طوال السنوات الثلاث الماضية كان إجهاضاً ممنهجاً من قبل الثوار ومن يدعمهم لنهضة المنطقة العربية، وسأغامر لأطرح أسئلة توافق مؤيدو الثورات على تجاهلها، وذلك لعدة أسباب أبرزها أن من يدعون أنهم (النخبة) اكتشفوا فجأة عدم قدرتهم على قراءة ما حدث بصورة استباقية، وبدلاً من ان يقرأوا ما حدث بتأنٍ، ذهبوا إلى خيار آخر وهو تمجيد ما حدث والالتحاق به، والادعاء أنهم فرحوا لثورة الشباب العربي، محاولين أن يكونوا جزءاً من اللحظة، التي اعتقدوا أنها ستستمر بسبب قراءاتهم الخاطئة، وبالتالي كانوا في ركب المطبلين والمزمرين للثورات العربية.
من الأسئلة التي أحب أن أطرحها دائماً في هذا المجال كيف لإنسان ينزل إلى الشارع ليطالب بالحرية والديمقراطية وهو نفسه لا يؤمن بهذه القيم ولا يمارسها بحياته اليومية، فهل من نزل إلى الشارع يحترم الآخر ويتقبله، وهل هو قادر على إدارة حوار معه، وهل يحترم الاختلاف ويؤمن بتداور السلطة؟
وهل من نزل إلى الشارع يقبل الحوار مع أطفاله ويدير نقاشاً في المنزل، وهل يحترم زوجته ويستمع لما تقوله، ويعترف أنها في بعض المواضع كانت على صواب وكان هو على خطأ، وهل يملك ما يكفي من معطيات الثقافة الديمقراطية؟
نحن شعوب باغلبنا لا نؤمن بثقافة الديمقراطية، وهو ما يتضح بسهولة عبر ما نراه من حوارات ونقاشات، وما يتبعها من تخوين أو تكفير أو ضرب وربما استخدام السلاح أيضاً، فكيف لمثل هؤلاء المطالبة بالديمقراطية.
ما يجب الانتباه له أن فشل ما سمي بالثورات العربية في مختلف دولها، بما فيها تونس، التي أعادت فرز قيادات النظام القديم مضافاً إليها حزب النهضة، يرجع إلى أن هذه الثورات كانت بلا رأس، فلا يوجد قياديون حقيقيون أفرزهم الشارع، ولا يوجد مثقفون حقيقيون نظروا للثورة، فالثورات الكبرى تستند إلى منظرين عظماء، وأفكار عظيمة، وليس مجرد مجموعة من الناس قرروا، أو قرر لهم، النزول إلى الشارع.
السؤال الآخر لمن يتباكون، من النخبة، على الثورات العربية، ماذا قدموا خلال الأعوام الثلاثة الفائتة غير التصفيق والتسحيج، أين هم من بناء نظرية حقيقية للثورات العربية، أو العمل على الأرض مع مجموعة ممن اعتبروهم من قيادات الثورات، لمحاولة مساعدتهم في بناء ثقافة ديمقراطية تؤمن بالحرية، ولماذا لم يتجرأوا على محاكمة من قام على هذه الثورات ومن حرفها عن مسارها المرتجى؟
الفعل الحضاري فعل ثقافي، ولم تقم حضارة بلا أسس ثقافية، فإذا كنا ندرك تراجعنا الثقافي والمعرفي فكيف يمكن لنا القول بوجود ثورات ستنهض بنا حضارياً؟
يقال عادة احذر مما تتمناه، وعلينا الحذر بحق مما تمناه البعض وروج له، وهو ما سُمي بـ(الثورات العربية)، لأننا نرى بأعيننا كل يوم ماذا يحدث حولنا، وما هي إفرازات الثورات العربية، فطوال السنوات الثلاث الماضية قمنا بالخروج على أطراف اصابعنا من الحضارة العالمية، ولم نسهم بحق بأي منجز حضاري، بل عدنا قروناً إلى الوراء لنخوض بسؤال الهويات بصورة دموية.
إن الحكم ببراءة مبارك هو نتيجة مباشرة للثورة وليس للانقلاب عليها، فالثورة التي لا تستطيع أن تمثل أبناءها وأن تستمر لبناء الدولة، ولا يستطيع الشركاء فيها الاستمرار لإدارة الدولة، هي ثورة فاشلة منذ بدايتها، وفشلها لا يجب أن يعلق على مشجب الآخرين، كما أن مؤيديها لا يحبون أن ينسب نجاحهم لدعم الدول وأجهزة الاستخبارات الأجنبية لهم، رغم صحة ذلك.
الراي 2014-12-02