براءة مبارك والثورات المولودة ميتة

تم نشره الثلاثاء 02nd كانون الأوّل / ديسمبر 2014 01:19 صباحاً
براءة مبارك والثورات المولودة ميتة
رومان حداد

بعد صدور الحكم ببراءة الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك من تهمة إصداره أوامر بقتل المتظاهرين، تباكى كثيرون على الثورات العربية وما سُمي جزافاً بـ(الربيع العربي)، وتكلموا عن إجهاض مشروع النهضة العربي الذي كانوا يأملون بتحقيقه في الفترة الماضية، وكعادتنا فإننا لا نحاول الولوج عميقاً في التحليل ونكتفي بالمقولات العامة والشعارات الجاهزة، ولا نقوم بطرح الأسئلة الحقيقية والضرورية.
وسأغامر لأقول أن ما حدث طوال السنوات الثلاث الماضية كان إجهاضاً ممنهجاً من قبل الثوار ومن يدعمهم لنهضة المنطقة العربية، وسأغامر لأطرح أسئلة توافق مؤيدو الثورات على تجاهلها، وذلك لعدة أسباب أبرزها أن من يدعون أنهم (النخبة) اكتشفوا فجأة عدم قدرتهم على قراءة ما حدث بصورة استباقية، وبدلاً من ان يقرأوا ما حدث بتأنٍ، ذهبوا إلى خيار آخر وهو تمجيد ما حدث والالتحاق به، والادعاء أنهم فرحوا لثورة الشباب العربي، محاولين أن يكونوا جزءاً من اللحظة، التي اعتقدوا أنها ستستمر بسبب قراءاتهم الخاطئة، وبالتالي كانوا في ركب المطبلين والمزمرين للثورات العربية.
من الأسئلة التي أحب أن أطرحها دائماً في هذا المجال كيف لإنسان ينزل إلى الشارع ليطالب بالحرية والديمقراطية وهو نفسه لا يؤمن بهذه القيم ولا يمارسها بحياته اليومية، فهل من نزل إلى الشارع يحترم الآخر ويتقبله، وهل هو قادر على إدارة حوار معه، وهل يحترم الاختلاف ويؤمن بتداور السلطة؟
وهل من نزل إلى الشارع يقبل الحوار مع أطفاله ويدير نقاشاً في المنزل، وهل يحترم زوجته ويستمع لما تقوله، ويعترف أنها في بعض المواضع كانت على صواب وكان هو على خطأ، وهل يملك ما يكفي من معطيات الثقافة الديمقراطية؟
نحن شعوب باغلبنا لا نؤمن بثقافة الديمقراطية، وهو ما يتضح بسهولة عبر ما نراه من حوارات ونقاشات، وما يتبعها من تخوين أو تكفير أو ضرب وربما استخدام السلاح أيضاً، فكيف لمثل هؤلاء المطالبة بالديمقراطية.
ما يجب الانتباه له أن فشل ما سمي بالثورات العربية في مختلف دولها، بما فيها تونس، التي أعادت فرز قيادات النظام القديم مضافاً إليها حزب النهضة، يرجع إلى أن هذه الثورات كانت بلا رأس، فلا يوجد قياديون حقيقيون أفرزهم الشارع، ولا يوجد مثقفون حقيقيون نظروا للثورة، فالثورات الكبرى تستند إلى منظرين عظماء، وأفكار عظيمة، وليس مجرد مجموعة من الناس قرروا، أو قرر لهم، النزول إلى الشارع.
السؤال الآخر لمن يتباكون، من النخبة، على الثورات العربية، ماذا قدموا خلال الأعوام الثلاثة الفائتة غير التصفيق والتسحيج، أين هم من بناء نظرية حقيقية للثورات العربية، أو العمل على الأرض مع مجموعة ممن اعتبروهم من قيادات الثورات، لمحاولة مساعدتهم في بناء ثقافة ديمقراطية تؤمن بالحرية، ولماذا لم يتجرأوا على محاكمة من قام على هذه الثورات ومن حرفها عن مسارها المرتجى؟
الفعل الحضاري فعل ثقافي، ولم تقم حضارة بلا أسس ثقافية، فإذا كنا ندرك تراجعنا الثقافي والمعرفي فكيف يمكن لنا القول بوجود ثورات ستنهض بنا حضارياً؟
يقال عادة احذر مما تتمناه، وعلينا الحذر بحق مما تمناه البعض وروج له، وهو ما سُمي بـ(الثورات العربية)، لأننا نرى بأعيننا كل يوم ماذا يحدث حولنا، وما هي إفرازات الثورات العربية، فطوال السنوات الثلاث الماضية قمنا بالخروج على أطراف اصابعنا من الحضارة العالمية، ولم نسهم بحق بأي منجز حضاري، بل عدنا قروناً إلى الوراء لنخوض بسؤال الهويات بصورة دموية.
إن الحكم ببراءة مبارك هو نتيجة مباشرة للثورة وليس للانقلاب عليها، فالثورة التي لا تستطيع أن تمثل أبناءها وأن تستمر لبناء الدولة، ولا يستطيع الشركاء فيها الاستمرار لإدارة الدولة، هي ثورة فاشلة منذ بدايتها، وفشلها لا يجب أن يعلق على مشجب الآخرين، كما أن مؤيديها لا يحبون أن ينسب نجاحهم لدعم الدول وأجهزة الاستخبارات الأجنبية لهم، رغم صحة ذلك.

الراي 2014-12-02



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات