عندما قرر الموساد
خلال المداولات التقويمية لنتائج مؤتمر هرتزليا الصهيوني الأول توقف مندوبو الموساد إلى المؤتمر، عند تقرير خاص بالبنى التحتية العربية، واستنتجوا أن هذه البنى هي الأخطر على مستقبل الكيان الصهيوني، وشكلوا الخلية الخاصة التي اعتمدت استراتيجية (طارئة) سرعان ما صارت يومية وطويلة الأمد، وحققت للعدو ما عجزت عنه الماكينة العسكرية في العقود السابقة.
ذلك ما تجلى بصورته الإجرامية البشعة منذ دخول الموساد على خط الاحتقانات الشعبية العربية وسرقتها وتوظيفها على النحو الذي انتهى إليه ربيع الفوضى الطائفية الهدامة.
في التقرير الذي بقدر ما أشار إلى مظاهر التبعية والفساد في الحالة العربية، من المحيط إلى الخليج بقدر ما استوقفته البنى التحتية أيضا.
-1- ما يمكن وصفه بشروط الحد الأدنى للمدينة في بلد متوسط التطور، فإن عدد المدن العربية يرتقي إلى مستوى الأمم الدول الكبيرة، بل إن العديد من العواصم العربية تتضمن بنى تحتية متطورة ويشمل ذلك عددا من الجامعات والكليات المتوسطة والمسارح ودور السينما والمكتبات ودور النشر والترجمة والمنشآت السياحية والشبابية والرياضية والمستشفيات… إلخ.
-2- بالرغم من مظاهر التبعية والفساد المختلفة إلا أن العرب يمتلكون صناعات متنوعة وعددا معقولا من السدود الكبيرة والمتوسطة ومصانع المنتجات الزراعية.
-3- الموقع المتقدم للمنتجات والمشتقات البترولية والكيماوية وخاصة في العراق (قبل العدوان عليه) والجزائر.
-4- مؤشرات معقولة لتحولات المجتمع المدني والعمل النقابي وخاصة في مصر وتونس والمغرب والأردن وسورية والعراق.
-5- تنوع كبير في العلاقات الدولية ناجمة عن اختلاف السياسات والمرجعيات.
-6- ترسانة عسكرية كبيرة يمكن أن تتحول مسبقا بصورة أو بأخرى إلى عبء على (تل أبيب).
-7- والأخطر من كل ذلك في مقاربة الموساد لمجمل الحالة العربية، هو توفر الحد الأدنى من الإحساس العام بالهُوية القومية العربية عند شرائح واسعة من الجمهور العربي، ما يحول هذا الإحساس إلى عامل ضغط مستمر على الحكومات العربية لدفعها نحو تعزيز القواسم المشتركة أو لردعها أو تحجيم علاقاتها التي تصطدم مع المصالح العامة.
-8- لكل ما سبق لم تعد الطبيعة الاجتماعية للحكم السائد هنا او هناك، هي المهمة بل البنى التحتية لمجمل الواقع العربي والتي لا بد من تحطيمها وإغراقها في الفوضى والدم.
-9- وقد توصل الموساد إلى ضرب الروافع المركزية للحالة العربية ممثلة بالهُوية القومية والدولة المركزية والجيوش وتفكيكها، عبر أدوات مضادة وتحت شعارات الإصلاح وحقوق الإنسان.
وكانت الاحتقانات الطائفية والمذهبية وأدواتها ومن يعبر عنها وخاصة جماعات الإسلام السياسي التكفيرية، هي الأخطر في برنامج الهدم والفوضى الموسادية.
وليس بلا معنى ما يقال منذ سنوات عن تحضيرات مبكرة لبعث تركيا العثمانية وتأمين الذراع الشعبية والمالية والإعلامية لها.
وليس بلا معنى أن الجماعات التكفيرية كانت تسارع في كل مرة وكل بلد إلى تحويل الجامعات والمصانع والسدود والمستشفيات إلى فنادق لها في مرمى القتال والقصف والتدمير.
وكذلك المبادرة إلى هدم المنشآت التراثية والسياحية والمتاحف بذريعة (الجاهلية الأولى).
العرب اليوم 2014-12-01