الواقع الحزبي في الأردن
أثارت الندوة المنعقدة في مركز زمزم للدراسات، حول الواقع الحزبي في الأردن مجموعة من الشجون الحزبية التي تستحق التوقف والدراسة والبحث من مختلف الأطراف والقوى الفاعلة في المجتمع، باعتبار أن الواقع الحزبي شأن وطني عام يهم كل مواطن، بغض النظر عن موقفه الإيجابي أو السلبي من هذه المسألة.
الحاضرون وهم من طيف سياسي واسع وعريض، بعضهم يحتل موقعاً متقدماً في حزبه، وبعضهم يصف نفسه بأنه مستقل ولكنه مهتم بالشأن الحزبي او ناشط في ميدان العمل العام، أجمعوا على توصيف الواقع الحزبي في الأردن بأنه ضعيف ويعاني من اعتلالات كثيرة بعضها ذاتي وبعضها خارجي، وينعكس هذا الضعف على الواقع السياسي برمته، وإن كان بعضهم يشعر بالراحة إزاء هذا المشهد من أصحاب السلطة والنفوذ، ومن الذين تعودوا على الاستفراد بالمشهد السياسي دون مزاحمة.
كما أجمع الحاضرون على أهمية وجود الأحزاب السياسية القوية الفاعلة كونها ضرورة ديمقراطية، ولأنها تشكل العمود الفقري للحياة البرلمانية، وبدونها سوف يبقى المشهد السياسي راكداً ؛يخلو من الحيوية ويخلو من الإبداع والتطوير، لأنه يفتقر إلى عامل المنافسة البالغ الأهمية، مما يقتضي الوصول الى توافق جمعي على معالجة هذا الخلل واصلاحه استعداداً للمرحلة القادمة.
لكن أين يكمن الخلل في هذا الواقع المريض؟ هذا هو السؤال الملح والمتكرر الذي يحتاج الى اجابة شافية، في ظل الإجماع الوطني على المقدمة السابقة، فبعضهم يذهب إلى تحميل الأحزاب مسؤولية هذا الضعف، وبعضهم يلقي باللائمة على الدولة و الإرادة السياسية بتعبيرهم، لكونها هي المسؤولة عن هذا الضعف وتكريسه، ويحاول كل طرف أن يحشد الأدلة والبراهين على ما يذهب إليه.
الحقيقة التي يجب أن نعترف بها أن المسؤولية مشتركة بين كل الأطراف بلا استثناء، باعتبار أن الشأن الحزبي لا يخص طرفاً دون طرف، فالأصل أن تكون الأحزاب معبرة عن المشهد المجتمعي برمته، وهي إفراز لما يختزنه المجتمع من وعي سياسي، وتطور معرفي، وخبرة ثقافية نؤهله للاهتداء إلى الرشد والصواب، الذي ينعكس على المجتمع بكل مكوناته وشرائحه.
الأحزاب والتشكيلات السياسية القائمة يجب أن تطور آداءها وأفكارها وأساليبها، ويجب أن تكون قادرة على إجراء المراجعات الضرورية عند كل محطة، وفقاً لمتطلبات تغير الظروف وتبدل المراحل، ومن يعجز عن تطوير ذاته، ويعجز عن إجراء المراجعة فسوف يكون عرضة للتراجع والضعف والزوال المحتم، كما ان الأجيال الجديدة ينبغي أن تكون قادرة على استشراف المستقبل، وابتكار الأطر الجديدة القادرة على استيعاب التجديد الواسع والمتسارع في كل مجالات الحياة، مع الاستفادة من التاريخ و الخبرات السابقة في مجمل التراث السياسي الحزبي محلياً وإقليمياً وعالمياً.
كما أن القيادة السياسية يجب أن تسهم في تطوير الحياة الحزبية بشكل فاعل عن طريق تفعيل مؤسسات الدولة في هذا السياق، وينبغي الاسهام المشترك في تغيير الثقافة السلبية المتراكمة في اذهان الشرائح الواسعة على المستوى الشعبي العام، من خلال رفع الحظر عن الحزبيين وأصحاب الفكر الحزبي من الانخراط الحر في كل مرافق الدولة ومفاصلها، وإلّا سوف تبقى الغالبية الساحقة من الشباب عازفة عن العمل الحزبي وما يتصل به من نشاطات، ولكن هذا الأمر يجب أن يكون مصحوباً بعدة أمور ضرورية منها :
أ - الانتقال من مربع الاختلاف على الدولة إلى مربع الاختلاف داخل الدولة، بمعنى أن تكون الأحزاب جزءاً من الدولة الأردنية، ومنخرطة في المشروع الوطني الأردني.
ب - الانتقال بالاختلاف من المربع الآيدولوجي العقائدي إلى مربع التنافس البرامجي، والطروحات العملية.
جـ - التخلص من إرث الصراع التاريخي، وعقدة الصراع القومي_الاسلامي،والصراع العلماني _الديني، والانتقال نحو التنافس على المستقبل بكل أبعاده وتفاصيله.
د - التوافق على الإطار الوطني العام، وثوابت الدولة، وقواعد اللعبة السياسية التي لا يجوز الاختلاف عليها.
هـ - فهم أبعاد المرحلة التي تمر بها المنطقة برمتها، والاستجابة إلى متطلباتها المتمثلة في البحث عن صيغ العمل المشترك، والابتعاد عن كل أشكال العنف والتطرف واستخدام القوة، ونبذ الفكر الإقصائي الذي يبغي الاستئثار بالسلطة الى الأبد.
الدستور 2014-12-02