الكوميديا النيابية
إن لم يكن لمجلس النواب أي إيجابية، فلنسجل له على الأقل كشفه عن الجانب الساخر في مزاج الأردنيين، وروح الدعابة الكامنة لديهم، وهم الذين اشتهروا عربيا وعالميا بالجدية والعبوس. فوق ذلك، تمكن مجلس النواب من تفجير الطاقات الفنية الإبداعية، باستخدام الحدث الذي وقع تحت القبة قبل أيام وتحويله إلى مقاطع مدبلجة فائقة الجودة، إلى جانب الصور والتعليقات التي جعلت من عبارة معينة "ثيمة" فكاهية تستخدم في كل مناسبة.
في الحقيقة إن ما حدث في تلك الجلسة بدأ بصورة درامية ثم مؤذية لجهة السباب والشتائم. بينما ما تلاها من احتجاجات النائب يحيى السعود على الزميلة هند الفايز، ليتمكن من دوره في الكلام، هو الجانب الخفيف الذي حمل شيئا من الفكاهة؛ تم التقاطها لمناسبتها لصنع مادة فكاهية قوية عن مجلس النواب. ومن هذه الزاوية، لا أرى ضيرا ولا ضررا في الأمر، وهو لا يعيب المجلس ولا وسائل الإعلام. وقد استمتع الجميع بهذه "القفشة" التي لا تتاح كل يوم، وأمكن تكييفها لتتحول إلى عبارة سائرة تضاهي العبارات الشهيرة لعادل إمام في بعض مسرحياته.
من جهة أخرى، لنلاحظ أن الحضور في تلك الجلسة لم يكن أقوى ما توقفوا عنده عبارة "اقعدي يا هند"، بل الدعوات المتكررة على من وضع "الكوتا" النسائية؛ فهذه أثارت الاستياء السياسي لدى البرلمانيات ولدى أعضاء المجلس الذين يناصرون حقوق النساء ومشاركتهن في الحياة العامّة، كما أثار استياؤهم قبل ذلك تأليب النائب الأقطش ضد القوميين، وفي المقابل أيضا، اللجوء إلى الشتائم الشخصية بحقه. لكن كل ذلك اختفى من المشهد أمام الخيار الإعلامي الفني لعبارة "اقعدي يا هند" التي تحولت إلى المركز، ومن حولها كديكور عبارات الملاسنة حول "الكوتا" والبسطات.. إلخ.
كم تلفت الانتباه قوة الإعلام والفن في إعادة تقديم المشهد وفق مقتضياته الخاصّة. إذ تم أخذ العبارة الأقل أهمية سياسيا، وتحويلها إلى الموضوع الرئيس. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، لم أتواجد في مكان أو أقبل أحدا إلا وبادر ضاحكا إلى الإشارة إلى العبارة الشهيرة، وكأنها مطبوعة على جبين كل نائب. وأكرر أن هذا لا يضير بهذه الحدود، لكن الخطير سيكون تعاظم ميل الإعلام إلى الاهتمام فقط بالقفشات النيابية الفكاهية أو الدرامية، على حساب القضايا الجادّة، بما في ذلك القضايا الخلافية التي تؤثر جديا على حياة الأردنيين ومستقبلهم.
مثلا، يناقش مجلس النواب الآن أحد أهم القوانين التي تؤثر على حياة الأردنيين واقتصادهم، وهو قانون ضريبة الدخل. لكن الموضوع شديد الملل بالنسبة لوسائل الإعلام. فهل هناك، مثلا، أي جهد إعلامي استقصائي لتبسيط وتلخيص موضوعاته للأردنيين، ليواكب الحوار النيابي حوار مدني حول القانون؟!
وسائل الإعلام، عموما، لا تهتم بذلك، ولا تهتم بالنقاشات المضنية في بعض اللجان حول قوانين وقضايا اجتماعية واقتصادية أخرى مهمّة للغاية، يجب إعلام الأردنيين بشأنها، بل وإشراكهم بها من خلال وسائل الإعلام.
لا ضير من كل الفكاهة التي صنعها الإعلام، وتطوع في سبيلها المبدعون حول حادثة القعود المستحيل الذي بات كل زعماء العالم ينشدونه، ويرفع المصلون أيديهم بالدعاء من أجله. لكن الخشية والخوف أن تعزز ذلك ثقافة إعلامية نيابية لا تبالي بالإنجاز ولا تبحث عنه، ولا تهتم بتقديمه للرأي العام؛ فنعود إلى الضرر الفادح الذي كانت تسببه المشاجرات ومشاهدها البشعة، بالإطاحة بصورة المجلس والمؤسسة النيابية والتمثيل الديمقراطي.
الغد 2014-12-08