بنوك دولية جديدة دون واشنطن
تأسس صندوق النقد الدولي منتصف الأربعينيات بهدف تنظيم العلاقات بين الدول الكبرى ومنع دخولها في حروب تجارية ومالية، ولاحتواء أزماتها الاقتصادية، ثم ومع الثمانينيات صار الصندوق ومعه البنك الدولي بمثابة أداة الدول الكبرى في التعامل مع الدول النامية والمدينة، وصارت هذه المؤسسات توصف بأنّها مفجّرة الثورات لأنّ شروطها على أي دولة تريد الاقتراض منها، أو حتى من غيرها أحياناً، أن تخفف هذه الدول الدعم للسلع وتخفف إنفاقها على الصحة والتعليم وما إلى ذلك، لصالح الخصخصة، ما كان يستفز الفقراء والطبقة الوسطى التي تنتفض رفضا لهذه السياسات التي شاع تسميتها بأنّها "برامج التكيف الهيكلي".
هناك مؤشرات على تراجع دور الصندوق عالميا، وربما يبقى متخصصا بالفقراء أو يتخلى عنهم أيضاً، أو يجد منافسين له.
في مؤتمر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مؤتمر "دول مجلس التعاون الخليجي: السياسة والاقتصاد في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية"، في الدوحة هذا الأسبوع، توقف طاهر كنعان، وزير التخطيط الأردني السابق، وعضو مجلس الأعيان، عند تأسيس بنكين دوليين جديدين، الأول؛ هو بنك BRICS، أي بنك خاص بالتجمع الدولي الذي يضم (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب افريقيا). وبنك ثانٍ هو "بنك الاستثمار في البنى التحتية الآسيوية".
تبرز الصين في المشروعين. ففي "بريكس" التي تشكل دولها الخمس 40 بالمئة من سكان العالم، وتشكل 20 بالمئة من الدخل القومي العالمي، باتت الدول تناقش أمورا مثل "دمج" تجاراتها ببعضها، ومثل تأسيس بنك مشترك للتنمية بينها، بل وكذلك وعاء للاحتياطي النقدي. والسؤال الذي يبرز فوراً هو هل هذه مؤسسات تنافس صندوق النقد الدولي وباقي المؤسسات الدولية؟
في حالة البنك الآسيوي الذي لم يتأسس بعد، فإنّ 21 دولة وقّعت مذكرة تفاهم بالشأن، في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، بعد سنة كاملة تقريبا من اقتراح الصين للفكرة، ومن ضمن الدول الموقعة ثلاث دول عربية، هي قطر، وعمان، والكويت.
بعيداً عن تفاصيل البنكين وحجمهما وفرص نجاحهما فإنّه يمكن القول إنّ هناك مؤسسات دولية تنشأ، أو قد تنشأ، بعيداً عن الهيمنة الأميركية.
الصين التي يوجد لديها شبكة إنترنت صينية مستقلة، ترفض بذلك الهيمنة الأميركية في مجال رئيسي من مجالات العولمة، (الإنترنت)، والآن هناك مؤسسات اقتصادية جديدة موازية أو مستقلة عن المؤسسات الدولية.
قد يشكل هذا النهج نوعا من التحدي للولايات المتحدة، بطريقة جديدة، فمنذ نهاية الحرب الباردة كان مطروحاً ضرورة إصلاح المنظمات الدولية المختلفة، بدءاً من الأمم المتحدة حتى مؤسسات الاقتصاد الدولية المعروفة باسم مؤسسات بريتون وودز.
وما يعزز فكرة المؤسسات الموازية أنّ الأوروبيين أيضاً في محاولة حل مشكلاتهم الاقتصادية عقب الأزمة المالية العالمية، استخدموا سبيلين، الأول وحدة نقدية وترتيبات أوروبية خاصة، وثانيا استعانة جزئية بصندوق النقد الدولي (وهنا نتذكر أن الصندوق تأسس أصلا لخدمة هذه الدول).
بذلك فإنّ هناك ترتيبات للتجارة داخل الاتحاد الأوروبي، وترتيبات بين دول "بريكس"، وهذا يضرب فكرة حرية التجارة على نطاق عالمي.
وكذلك هناك مؤسسات اقتصادية دولية جديدة، وهذا تحدٍ للمؤسسات الاقتصادية الكبرى.
في حديثه في المؤتمر المذكور، يشير كنعان لأهمية وجود تفكير عربي لتفعيل مؤسسات عربية نقدية وإقراضية، مثل صندوق النقد العربي الذي تأسس عام 1976 ولكن عملياته محدودة، ولفت كنعان كيف أنّ أزمة مثل أزمة اللاجئين السوريين، وتداعيات الربيع العربي، كلفت أموالاً هائلة، ولكنها جاءت لحل أزمة، بدلا من أن تكون للتنمية والبناء قبل الوصول لمرحلة الانفجار.
من جهة ثانية، لا بد من التفكير أنّ إعاقة الولايات المتحدة ودول أخرى لإصلاح وتغيير المنظمات الدولية، وبالتالي إصلاح النظام الدولي، قد يؤدي لتحد مختلف لهذا النظام بالانسحاب منه، لصالح أطر إقليمية منافسة، وشيئاً فشيئاً تزداد حالة السيولة في النظام الدولي، ويصبح لدينا منظمات قديمة متكلسة غير فاعلة، أو فاعلة جزئياً، مقابل مؤسسات جديدة أخرى بعيدة عن هيمنة واشنطن، وهذه المؤسسات قد لا تهدف لمنافسة واشنطن كهدف أساسي ومباشر، ولكنها عمليا ستتحداها وتتحدى النظام العالمي والعولمة، وقد تغير من شكله.
الغد 2014-12-11