مؤتمر موسكو أو اللعب في الوقت المستقطع

تم نشره الأحد 14 كانون الأوّل / ديسمبر 2014 01:37 صباحاً
مؤتمر موسكو أو اللعب في الوقت المستقطع
عريب الرنتاوي

تواجه مهمة الموفد الروسي ميخائيل بوغدانوف لجمع الحكومة والمعارضة حول مائدة واحدة في موسكو، تحديات وعراقيل من شتى الأنواع والمصادر، ويبدو أن ثمة فرص نجاح هذا المسعى تبدو ضئيلة للغاية، حتى لا نقول معدومة ... لكن الأطراف المختلفة، المحلية منها والإقليمية، وحتى الدولية، تعوّل على أن تأتي المبادرة لتعطيل “المبادرة الروسية” وإجهاضها من جهات أخرى، طالما أن كثرة من الأطراف، لا ترغب في رؤية مؤتمر موسكو وقد رأى النور.
النظام السوري، يتفاعل على مضض مع المبادرة الروسية، فهو في الأصل، لا يؤمن بوجود معارضة داخلية أو خارجية، معتدلة أو متطرفة، وسوريا بالنسبة له فسطاطين، فسطاط النظام والمقاومة والممانعة، وفسطاط الإرهاب والعثمانية الجديدة والوهابية “القروسطية” ... بين هذين القطبين لا مطرح لأية مروحة أخرى من المواقف والألوان ... لكن النظام لا يستطيع أن يقول (لا) لموسكو، لذا نراه يكتفي بإمطارها بوابل من الأسئلة والتساؤلات والاشتراطات التي ستجعل حركة موسكو مكبلة بأغلال من حديد ... من يعتقل عبد العزيز الخير ورجاء الناصر، واخيراً لؤي حسين، ليس معنياً أبداً بالحديث مع المعارضة، أية معارضة على الإطلاق.
المعارضة بدورها، “معارضات”، مروحة واسعة من فصائلها الأكثر نفوذها في ساحات القتال وميادينه، الممسكة بزمام الأرض والقرى والبلدات الخارجة عن سيطرة النظام، لا تؤمن بالحوار ولا بالمفاوضات، لا تؤمن بموسكو ولا بنظام دمشق، وخيارها الأول والأخير، جهادي بامتياز ... أما المعارضات المنضوية في الأطر السياسية المعروفة للمعارضة السورية، فهي بدورها مشتتة ومنقسمة، ينهش بعضها بعضاَ، ولا تكاد تلتقي على أية قضية تقريباً ... الائتلاف، ومن موقعه كممثل شرعي وحيد، لا يريد أن يرى معارضين من خارجه حول المائدة، وإلا فقد وحدانية وشرعية التمثيل، وهو برغم تآكله وانقساماته وهشاشة العظام التي ولد معها، لا يزال يتصرف بوصفه “نداً” للنظام من جهة ولـ “داعش” من جهة أخرى، مع أن الأمر برمته مثير للسخرية.
فصائل معارضة الداخل، آثرت البقاء أربع سنوات خارج صفوف الكيانات المفبركة في الخارج، حتى عندما كانت الأخيرة في ذروة “عزها” و”صعودها”، وليس ثمة ما يغريها اليوم، للتخلي عن هذا الموقف والالتحاق بركب مجالس إسطنبول، سواء حملت اسم الائتلاف أم المجلس الوطني أو أي اسم آخر ... وثمة طيف واسع من المعارضات والمسميات، التي بالكاد تستطيع أن تحشد حمولة “حافلة” واحدة من الحجم المتوسط وليس الكبير من طراز حافلات لندن الشهيرة، يصعب لها أن تلتقي خلف موقف مشترك (ولا نقول موحد).
إقليمياً، تبدو الصورة قاتمة بعض الشيء، تركيا تفضل تقديم التسهيلات لـ “داعش” لاختراق الأراضي السورية والعراقية، وحسم معركة “دورها الإقليمي” على تقديم تسهيلات لموسكو لإنجاح مبادرتها ... أنقرة التي تقاوم ضغوط العالم لوقف دعمها لـ “داعش”، وتدفع ثمناً لذلك من صورتها ومكانتها وعلاقاتها الدولية، ليست بوارد تسهيل مهمة موسكو ورؤية وفود المعارضات تلتقي وتتحاور مع وفد النظام الذي لا تكف عن المطالبة بإسقاطه.
السعودية، وبرغم تحفظاتها على السياسة التركية في الإقليم ودعم أنقرة لجماعات الإخوان المسلمين، إلا أنها تلتقي مع تركيا – وحتى مع قطر – في مواقفها المتصلبة حيال النظام السوري، ورغبتها في رؤية الأسد وقد ألقي به في غياهب السجون والمنافي والمجاهيل ...، لا تقيم علاقات مع المعارضات السورية، إلا بالقدر الذي يخدم هذه السياسة، وقد سجل دورها تراجعاً نسبياً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، مع تحولات المعارضة الجهادية.
إيران تبدو الأقرب للمبادرة الروسية، خصوصاً بعد أن أخذت سوريا بالتحول إلى عبء مالي واقتصادي وعسكري عليها، تريد الخلاص منه في أقرب فرصة ممكنة، ولكنها تريد خلاصاً يحفظ لها شريان الاتصال والتواصل مع كنزها الاستراتيجي على الضفة الشرقية للمتوسط: حزب الله، لكن ذلك، لا يمنع أن تكون لطهران تحفظات ومحاذير مع الموقف الروسي تديرها من وراء ستار وخلف الكواليس بالطبع.
مصر بخلاف أقرب حليفاتها من دول الخليج، لا تتمسك بموقف متصلب حيال النظام السوري، وثمة معلومات عن قنوات تواصل أمنية بين القاهرة ودمشق، وهي معنية بمحاربة الجهاديين والإخوان أكثر من عنايتها بإسقاط النظام السوري، أو “نشر الديمقراطية” في سوريا ... هذا ليس مطروحاً على جدول أعمال الدبلوماسية المصرية، والملف السوري، يُقرأ من القاهرة من زاوية أمنية بامتياز.
الولايات المتحدة، ومعها بعض “المحافظين الأوروبيين الجدد” بالتحديد في باريس، لا تبدو في الظاهر على خلاف مع موسكو في مسعاها هذا، لكن المؤكد أنها لن تسمح لموسكو بالتقرير في شأن هوية المتحاورين وجدول أعمال وأهداف الحوار ومآلاته ... حتى الآن، لا تحظى المبادرة الروسية بكثير من الاهتمام الأمريكي، والسبب أن واشنطن ليست متأكدة من أن هذه المبادرة ستصل إلى شاطئ الأمان، إذ ربما تتآكل من داخلها، وربما يسقطها حلفاء موسكو قبل خصومها.
حتى الآن، وبرغم الكلفة الباهظة سورياً وإقليميا المترتبة على حرب السنوات الأربع في سوريا، لا يبدو أن المشهد المحلي والإقليمي والدولي، قد نضج بما يكفي لإتمام تسوية سياسية لهذه الحرب العبثية المدمرة ... والأرجح أن شروط هذه التسوية، لن تنضج قبل الربيع القادم، وما قد يأتي به من تطورات، خصوصاً في ملف العلاقات الأمريكية – الإيرانية، وإلى أن يحدث ذلك، فلا بأس من “تقطيع الوقت” أو “اللعب في الوقت الضائع أو المستقطع”

الدستور 2014-12-14



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات