اصبر عجار السوء!

يحكى أن رجلا صالحاً ماتت زوجته، فخرج لدفنها مع جماعته، وعندما انتهت عملية الدفن وقف عند القبر، وبكل ما أوتي من قوة قال موجها كلامه لها في القبر: اشهد الله أنك طااااااالق.. طاااااااالق.. طالق بالثلاثة!! طالق طلقة لا رجعة بعدها. فتعجب القوم كيف يطلقها وقد ماتت، فقال لهم: يشهد الله أني لم أعرف معها طعم السعادة.. فقد كانت زوجة نمامة وكثيرة الطلبات.. وتثقل كاهلي بمصاريف خيالية.. كلما نظرت إلى وجهها شعرت بالغثيان. فسأله أحدهم: ولماذا لم تطلقها في حياتها يا رجل؟ فأجاب: خفت أن أطلقها فتمضي العدة وتتزوج من آخر يبتلى فيها.. فقلت أصبر عليها وأحتمل أذاها حتى يحكم الله.
فسأله آخر: ولماذا تطلقها الآن بعد أن ماتت؟
فقال الرجل: لا أريد أن اجتمع بها في الآخرة.. يكفي ما رأيته منها في الدنيا.
كم يشبه هذا الرجل الصالح المواطن الاردني، باحتماله وصبره على حكومته، التي تثقل كاهله بما لا يطيق، وهي ما تلبث إلا تتغنج عليه بطلباتها دون وعي، يحتسب صبره في سبيل الله لعلها تشبع أو تعقل.. لكن يبدو أن لا فائدة من ذلك.
الفرق الوحيد بين القصة والمواطن الاردني هو أن المواطن الاردني على يقين أنه اذا تغيرت الحكومة، وجاءت حكومة اخرى فإنها ستبقى على نفس المنوال في كثرة الطلبات.. فالحكومة إن كثرت مسمياتها مضمونها واحد.. وسياستها واحدة.
وكذلك لن يفترق المواطن عن حكومته ابدا، فهي كالمادة المتجددة لا تفنى ولا تستحدث، فقط تتحول من شكل لآخر، المهم أنها قدره، وعليه ان يصبر على أذاها ويحتمل حتى يتم تشييعها الى مثواها الاخير.. وكل تشكيل جديد يضع المواطن بين التفاؤل والخوف، وما إن يكتشف المواطن مأساته الجديدة في الحكومة الجديدة، تكون قد قاربت على نهاية خدمتها.. فينتظر حكومة جديدة تتشكل، فتشييع الحكومة حالة مستمرة ومتجددة. وما على المواطن إلا الصبر وعلى رأي المثل: اصبر على جار السوء.. يا يرحل يا...
(السبيل 2014-12-15)