تحسين النقل بحاجة إلى إرادة

كل صباح، يفتقد كل من يسير على طرقات المملكة، وخصوصاً في العاصمة عمان، مشاريع النقل الكبرى التي ينبغي أن تخفف على الجميع عناء التنقل، وكلفه الباهظة في الوقت كما المال.
خلال السنوات الماضية، جرى الحديث عن العديد من المشاريع في هذا الشأن؛ بدءاً بمشروع القطار السريع بين عمان والزرقاء، وانتهاء بالتحول إلى مشروع الباص سريع التردد. لكن كل ما تم كان مجرد بذل للوعود من دون نتيجة. وخلال الفترة المقبلة، ربما تصدر تصريحات عن مسؤولين حكوميين بأن أسعار النفط بدأت بالهبوط عالمياً، وأن بعض مشاريع النقل لم تعد ذات جدوى.
لكن المعاناة كبيرة لدى المواطنين، خصوصاً ممن يعملون في العاصمة عمان قادمين من المحافظات. ويواجه كثير من هؤلاء، إن لم يكن جميعهم، مشاكل الازدحام وضياع الوقت والمال بسبب الأزمات الناجمة عن كثرة استخدام المواطنين لسياراتهم الخاصة، كونهم لا يجدون بديلاً معقولاً في وسائل المواصلات العامة.
على هذه الخلفية، يجد غالبية أبناء المحافظات أن الخيار الأفضل هو السكن في العاصمة عمان، ومغادرتها إلى بلداتهم ومدنهم في عطلة نهاية الأسبوع، علهم يوفرون على أنفسهم بعض المعاناة اليومية التي يسببها ضعف شبكة المواصلات. وبذلك، تضاف أعباء جديدة على البنية التحتية للعاصمة، مع إفراغ مناطق الأطراف.
استملاكات عديدة نفذتها الحكومات السابقة من أجل إنشاء مشروع القطار الخفيف. وقد تكبدت الخزينة ما يفوق 100 مليون دينار لهذا الغرض، بالإضافة إلى خسائر أخرى؛ إذ يترتب على الحكومة فائدة بنسبة 9 % لقاء تأخرها في دفع مستحقات الاستملاكات لمشاريع مهمة أساساً، لم تُنفذ لعدم توافر الإرادة.
بشكل عام، تعمل الحكومة وفريقها الوزاري بإخلاص في تنفيذ الإصلاحات وتحقيق المنجزات على صعيد تحسين المالية العامة. وقد اتخذت إجراءات من قبيل فرض الضرائب ورفعت أسعار بعض السلع والخدمات. كما يسجل لها تصويب أوضاع الموازنة. لكن يجب عليها أن تعي، في المقابل، أن توفير أفضل الخدمات للمواطنين هو من صلب عمل الحكومات أيضاً. وقد حرصت التوجيهات الملكية السامية على تذكير الحكومة بهذا الجانب، إذ طالبها جلالة الملك في خطاب العرش الأخير بـ"... إنجاز عدد من المشاريع الحيوية الكبرى، ومن أبرزها العمل على تطوير قطاع السكك الحديدية، وقطاع النقل العام، بما يحدث نقلة نوعية فيه، وغيرها". لكن السؤال يظل قائماً عن ماهية المعيقات والأسباب وراء التأخر، فيواصل المواطنون دفع معاناة.
إذا كان هناك نقص في الأفكار، فإن ثمة نماذج كثيرة للإدارات الحكومية التي حققت نجاحات باهرة، انعكست على حياة مواطنيها في هذا الصدد. ويمكن الاطلاع على تجربة دبي وسنغافورة وغيرهما من المدن والدول، للاستفادة وتطبيق ما يمكن منها حسب الإمكانات.
لكن يتولد الانطباع بأن تأخر المشاريع المحلية الكبرى، ولاسيما في قطاع النقل العام، لا يتعلق بالأفكار، بقدر ما أنه ناتج عن البيروقراطية، وضعف أداء القطاع العام في مجال تقديم الخدمات للمواطنين وتحسينها. وقد يكون أي طرح يتعلق بالمال غير دقيق في ظل وجود أموال المنحة الخليجية. كما أنه لو تم عرض مشروع لتوظيف قانون صكوك التمويل الإسلامي، فإننا سنجد الآلاف ممن يشاركون في تغطية التمويل. فما نحتاجه هو تطوير للأدوات المستخدمة في الإدارة الحكومية، حتى يشعر الجميع بنتائج التحسن والتنمية. بخلاف ذلك، سوف يظل الحديث عن الغلاء والضرائب والرسوم هو السائد، من دون أن يقابلها مردود عملي يخفف الأعباء عن خلق الله.
(الغد 2014-12-15)