نشعر بالحرج

يبدو ان شد الاعصاب في مجلس النواب، سيبقى يعطل جدول اعماله في قوانين غاية في الأهمية، فرفع الجلسة للمرة الثانية وآخرها بعد خمس دقائق من بدئها، لا علاقة له بأي قضية مطروحة للنقاش، واذا كنا حريصين على عمل مجلس النواب، كما حدده الدستور، فان النزق، وسرعة الاتهام، والخروج على قواعد الديمقراطية في احترام المؤسسات واحترام الرئاسات واحترام عقل الناس.. لا توصلنا الى شيء، ولعل نهاية المجلس السابق الذي صفق الشعب الاردني لحله، خير مؤشر على ضرورة التقيد بالأعراف والدستور والعمل البرلماني.
من المعيب ان نخاطب مؤسسة تمثيلية شعبية بالوعظ والارشاد، فالصحافة هي اكثر الناس حرصاً على موقع المجلس النيابي، واحترامه، لكن العناوين الصاخبة للصحف ليست من صنعها، والمقاطع التي تبثها مواقع الاتصال الاجتماعي.. وأبرزها «اقعدي يا هند» صارت تسلية وتفكه لا تليقان بنوابنا، وبمجلسنا النيابي.
ففي كل بلاد العالم ترتفع أصوات النواب، وتلتقط مواقع التواصل الاجتماعي كلمات ماسة بالذوق العام.. لكن ذلك ليس برنامجاً يومياً.. وليس على حساب قوانين هامة وخطيرة كقانون ضريبة الدخل، وقانون الموازنة العامة.
ندعو نوابنا المحترمين الى تهدئة الاعصاب، وترصين النقاش، واعطاء القوانين مدار التشريع كل الاهمية المطلوبة، ونظن انهم بهذه المواصفات يكسبون الشعبية المطلوبة، ويراكمون احترام الناخب للانتخابات المقبلة، فناخبنا لم يعد يعيش على شعارات قديمة تبيع الوهم اكثر مما ترسخ الحقائق.
ديمقراطيتنا الوليدة بحاجة الى اعتناء يشبه اعتناء الام برضيعها، واذا كان نظامنا السياسي يصر على المجلس المنتخب بشفافية، ويصر على دور الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني، فان من المؤكد ان مجلسنا النيابي لا يحتاج الى التغميس خارج الصحن، فالوطن لا يحتاج الى الصوت الهادر ذلك ان المدافع والطائرات من حولنا هي الاعلى صوتاً، ولا يحتاج الى بطولات كلامية ذلك ان ابطال الدم والقتل والحقد يملأون الساح العربي.
...الوطن يحتاج الى العقل، والهدوء والشجاعة الادبية والفكر الناضج.. فقط، فقد اضاعت امتنا قرناً كاملاً من الزمان في المزايدة، واستهلاك الكلام العاطفي، والطخ بالفشك الصوتي.. وحين اعلنا استقلالاتنا بعد الحرب الثانية، كانت اليابان والمانيا وايطاليا تعلن استسلامها، وتقبل سلطات الاحتلال وتركع، وها هي الآن اعظم امم الأرض لأنها كانت تبني بصمت وهدوء وشجاعة، وها هم نحن افقر أمم الأرض واكثرها شقاء لاننا كنا نستعمل اصواتنا بدل عقولنا، وانتهازيتنا بدل اخلاقنا، ومزايداتنا بدل العمل الهادئ الرزين.
(الرأي 2014-12-16)